■ أدرك غيابها منذ سنوات بعيدة وتراجعها عن تقديم الفكر ومناقشة القضايا الحياتية الحقيقية والقدوة فى السلوك لعامة المصريين وخاصتهم، تاركة الساحة لألوان من التدين الزائف بين وهابية فارغة من المضمون مكبلة بمظاهر فارغة من روح الدين صدرت السلفيين على أنهم ورثة الأنبياء، وبين أخونة متآمرة لمصالح لا علاقة لها بوطن صدرت لنا العنف والخيانة والتغلغل فى مفاصل الدولة على أنه صحيح الدين، فاختلطت العمة بالجلباب القصير باللحية وبات الجميع متهماً باستغلال اسم الله.
■ غابت رؤية الإمام حينما تحول منصب شيخ الأزهر لمنصب سياسى بدرجة رئيس وزراء لا يجوز إقصاؤه عن مكانته. وعميت المشيخة عن قضايا المسلمين وحياتهم ومشكلاتهم فلم تتحدث عن فقه فقر استشرى، ولا شريعة أخلاق تراجعت، ولا مسئولية حاكم تجاه محكوميه، فكان التركيز على قضايا الطائفية التى تحوم غربانها فى المنطقة محلقة فوق رؤوسنا تنزل الشؤم ببلد تلو الآخر، بينما شيخنا مشغول بحماية السنة لا الإسلام!
■ وغاب ضمير العمة، فاستسهلت الراحة واستكانت لها عملاً بمبدأ «الباب الذى تأتى منه الريح سده واستريح»، فأغلقوا عشرات الأبواب لسد الريح التى لن تصمد أمامها العمة إما لجهل بعلم أو خوف من ضياع سطوة مكتسبة تحت شعار وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، أو انتظاراً لنظرة رضا من سلطان حاكم بفتح الباب أو غلقه، وارتضوا استمرار تغييب الوعى والأمية الفكرية واستمرأوا تساؤلات تهذيب الحواجب وفوائد البنوك، والبكاء أمام الكاميرات وتصنع الخشوع. متناسين دوراً ورسالة جعلتهم أول فئات المحاسبين أمام الله يوم العرض عليه، غافلين عن النية التى تستقيم بها الأعمال. وأن لهم ما أبطنوا لا ما أظهروا.
■ غابت الرؤية فابتلينا بالدراسة الأزهرية ليزداد تقسيم المجتمع فى فئة لا تعرف من العمة سوى المكانة، ولا تحتفى بالجبة إلا للسيطرة على الغلابة، بينما العقل وإعماله فى غفلة والإبداع فى غفوة وصناعة داعش وتفريخ المنتمين لها مستمر باسم الله، والأخلاق عماد الدين فى انهيار والعلم مطلب العارفين فى تراجع. ويوم أن منعوا الغش كانت النتيجة فى ثانويتهم 28%! يا لسخرية الأيام.. غش فى مدارس علمها دين ودراستها دين يرددون فى يومهم حديث المصطفى بأن «من غشنا ليس منا» آلاف المرات، ثم يمنعون الغش بقرار لترسم النتيجة السابقة علامة استفهام ضخمة تسأل عن عبثية ذلك المشهد، وجدوى الاستمرار فيه.
■ غابت الهيبة وانتحرت أمام الإغراءات والطموحات، فاستكانت للمسميات والارتباط بكبارات المحروسة فى المقام والمال ومن جاور السعيد يسعد ويا بخت من كان النقيب خاله، ولا يُضرب على البطن من كان له ظهر فى الحياة، فخرجت الكلمات عارية من صدق وجاءت السلوكيات فارغة من قدوة وتساقطت الأقنعة الواحد تلو الآخر كل يوم. وبات الخوف على الإسلام ممن يدعون أنهم سدنته أكثر ممن يعلنون عداوته.
هذا هو حالنا يا سادة الذى يعكس ما بتنا فيه من محنة فكرية وحضارية وأخلاقية. نلوك آيات الدين ليل نهار ونستعين بالأحاديث للتدليل على صحة الكلام ونسترشد بأبيات الشعر الدينى كلما احتجنا لها فى مناسبة أو أخرى، بينما الرسالة غائبة والدور مغيب والرؤية لنهاية آتية لا محالة مؤجلة، قرر أعداؤنا أن تكون حرب الدين فى بلادنا بأيدينا، ونحن نسير فى الطريق المرسوم ببراعة نُحسد عليها. أضعنا العقل وغيبناه عن عمد وترصد وحرمنا الفكر بلا مبرر وجعلنا النقاش كُفراً والتساؤل جدلاً وفسوق وأغلقنا كل باب للإبداع والعلم وشفافية الضمير درءاً لرياح عدة لا نريد هبوبها. ولذا فالحل فى يد الدولة إن أرادت خيراً بمستقبل عقول أبناء وطن أدرك الفكر وآمن بالضمير فصار فجره من آلاف السنين، فلنمنع تجارة الدين والعقول بتعليم يرتقى بالنفوس وإعلام يحترم الوعى وثقافة تسعى للحاق بمستقبل، كل هذا تحت مظلة دولة لا تعرف سوى القانون حكماً، ويبقى الدين علاقة سرية بين العبد وربه.