لم أسعَ من وراء مقال «عمرو خالد والبعث الرابع للإخوان» للتنبيه والتحذير من ظاهرة عمرو خالد وأشباهه فى المجتمع -أيا كان تصنيفهم أو مسمياتهم- وحسب، لكننى أردت التحذير من تغييب عقول أو تجنيدها أو إعادة بعث الإخوان وتابعيهم تحت أى مسمى، وخلق التطرف أيضاً تحت أى مسمى. ومع توالى ردود الفعل على المقال الذى أغضب رواد تلك الدروس فى منتجعات مغلقة على قصورها متسائلين عن كيفية تسريب تلك الدعوة والكشف عنها، وبين تأكيد بعض الجهات لما جاء فى المقال، تبقى شهادات من اقترب من تلك الدروس وأصحابها وشيوخها ودعاتها ممن أجادوا البيزنس وفنونه والانتماء لعوالم خارجية ترفع شعارات التدين الزائف هى الأهم لكى نكمل دق ناقوس الخطر فى هذا الموضوع شديد الخطورة.
فتلك شهادة سيدة خريجة أعرق الجامعات التى حكت لى دامعة العين أنها «كانت تبحث عن الله» -هذا هو تعبيرها الذى صدقتها فيه- ونظراً لمستواها الاجتماعى والمادى العالى فقد تعرفت على طريق تلك الدروس وشاهدت فيها بذخ القصور وسفاهة الإنفاق وفصام السلوك من الدعاة قبل المضيفين أنفسهم. وكيف أنها رأت الانفصال بين ما تبحث عنه وبين ما تراه، الطريف أن تلك الدروس أوصلت تلك السيدة للمساعدة فى دار أيتام شهيرة طلبت منها صاحبتها تولى عملية تحصيل أموال التبرعات، التى وصلت فى بعض المراحل لحقائب مملوءة بالنقود من مصريين وعرب. ولولا والد تلك السيدة الذى لفت نظرها لخطورة ما تفعل، لما تركت دار الأيتام والعمل التطوعى بها، خاصة أن تلك الدار كانت موردة للأطفال فى اعتصامات رابعة والنهضة، ثم اختفت صاحبتها تاركة أحباب الله ورائها. وحكت السيدة عن شيوخ نسوا مكارم الأخلاق وسعوا للابتذال معها لولا امتناعها عن حضور دروس ظاهرها تدين يشترط السمع والطاعة للشيخ!!
وختمت السيدة حديثها بأنها سافرت للحج مع بعض من مجموعات تلك الدروس، بمبلغ ضخم لم يمنحها زهد الشعائر بقدر ما منحها بذخ المظاهر بدءاً من نجوم الدعاة المصاحبين للمجموعات المتنعمين فى «فتة المال»، انتهاءً بطريقة أداء المناسك التى لم تمارسها ومن معها فى زحام الحجاج بل كانوا ينتظرون اختيار أنسب الأوقات -البعيدة عن زحام العامة والغوغاء- لأدائها، رغم أن الهدف من الحج بذل الجهد فى أداء المشاعر سواسية لنستحضر مشهد الوقوف بين يدى الله. وهو ما دعاها للقول: «لم أشعر أننى حججت حتى الجمرات لم نجمعها بل وزعت علينا رجالاً ونساءً فى أكياس قماش قطيفة»!
وهناك شهادة رجل أعمال وصاحب شركة سياحة تقدم المستوى ذاته للحج الذى حكت عنه السيدة الفاضلة، الذى قال لى إن الدعاة والمقرئين والمشايخ يسافرون الحج الفخيم هذا ويتنقلون بين مخيمات الحجيج الفاخرة -وكله بتمنه بيزنس إذ بيزنس- الجميع يمارس البيزنس والجميع يمارس المصلحة ويتحدث لغتها. تماماً كتلك البرقية التى نشرتها «ويكيليكس» وكانت من عمرو خالد يطلب من العاهل السعودى 75 مليون ريال سعودى لتعليم نصف مليون أمى مصرى؟! وكله تحت اسم التطوع والخير، وكله يرتدى عباءة الدين.
القضية ليست قضية عمرو خالد -رغم علمى بتلونه ويقينى من كل ما ذكرته- القضية أن الدين لدينا بات كالمنتجات الصينية متعددة المستويات حسب إمكانيات كل فئة. دروس المنتجعات والقصور لها زبائنها ممن يحتاجون لإسلام منزوع الدسم. وحلقات الفضائيات المصحوبة بأموال الإعلانات لها زبائنها، ودروس المساجد فى المدن والقرى والكفور لها زبائنها. حتى صفحات الإنترنت لها زبائنها أيضاً، بمنطق «على كل لون يا باتستا». ولكن للأسف غالبيتها يؤدى للنتيجة ذاتها، وعى وضمير غائبين يقودهما تدين زائف أو تطرف فاجر. بينما المجتمع تنهار أخلاقياته كل يوم فى ظل تحالفات تدعم بعضها البعض ويشد بعضها من أزر بعض بين رأسمال يبحث عن صكوك الغفران وتجار دين وأوطان يبحثون عن الممول الذى يحمى راية التجارة مرفوعة حتى لو هُزم الدين ذاته تحت أقدام شهوات العلاقات الوهابية الغربية التى تعلم أن الإسلام خطر عليهم حينما تقوده حضارة العقل المصرى.