كما انزعجت بضجيج الببغاوات والقطط البلدى أصحاب «احنا بتوعك»، شغلتنى مشاهد اعتدتها يومياً بسبب ظروف العمل التى توجب عليك أن تسير فى الطرقات وقت إفطار البشرية فى ساعة المغربية، فعلى الطرق والشوارع المؤدية إلى المحاور الرئيسية وغيرها كتل بشرية تستوقفك رغماً عن أنفك لكى تنال جزءاً من صومك، تطبيقاً لقاعدة «يا عم أنا عايز منك حسنات» ومن ثم «هافطرك يعنى هافطرك» حتى لو فقدت عينك أو زجاج سيارتك أو شديتك من هدومك، انت فاطر معانا فاطر، كيس البلح هتاخده حتى لو قافل «إزازك» البلح هيزور عربيتك يعنى هيزور عربيتك، الضرب على «الإزاز» مش هيكون بحنية عشان لازم تاخد إزازة الميه غضب عنك، والعصير الفرط «نعمة وثواب» مش هينفعك رفض أو إظهار شبع أو تعفف أو استعجال، «انت وقعت فى المصيدة» هذه الصورة لم تنقطع طوال الشهر ومشاهدها قد تختلف من منطقة لأخرى وتحديداً فى المبالغة أو سمها «الإجبار على الإفطار» حتى لو تعطل طريق أو تسببت فى حادث «المهم انت هتفطر معانا»، فالموضوع مش على المزاج فأنت مجبر «إزاى تمشى واحنا واقفين عشانك وعشان أمثالك من مرتادى الطرقات فى نهاية ساعات الصوم»!
كأنه «محمد رمضان» بهيئته وحركاته، مع شعر طويل ووجه نال منه الزمان والمطاوى أيضاً، وضع الموتوسيكل فى منتصف الطريق الدائرى بلا أى خوف أو وجل على الجسد والحياة، وأمر مساعديه بالانتشار بعرض الطريق، فى مغامرة بدت لى مستحيلة، لكنهم صنعوها بقلوب لا تخشى سيارة مسرعة على طريق مفتوح أو اندفاع سائق نقل ثقيل يتراقص فى نهاية يوم طويل، أو متهور يسير بميكروباصه «غرز وخلافه ليلحق ببيته قبل الأذان»، اقترب ليصنع ما بدا أنه نشاط يومى فتأتيه سيارة شرطة معترضة عما يفعل، ولكن بالعرف «خلى الموتوسيكل على جنب شوية» مش فى نص الطريق، فى تجسيد وطنى أن الشرطة فى خدمة الشعب المكافح المغامر بحياة الناس عشان «بلحة وشوية تمر هندى»، تراكم السيارات لم يشغل الشرطة بل شغل من تراصوا وراء السيارة التى أراد شبيه «محمد رمضان» أن يكرمها بعطف البلح والتمر هندى والعرقسوس والماء، هكذا الخير يصنع حتى لو أنتج شراً بمخاطر على طريق وتهديد لأرواح لا ترى فى طريقها سوى سيارات، فإذا فجأة يظهر أمامها بشر يحمل أكياساً وأكواباً عنوانها الخير بلاتفكير فى العواقب، ومن أجل الثواب يغامر بحياته ومعها حياة آخرين، فإذا كان الخير سبيلاً للجنة فلماذا لا يكون على حساب الآخرين؟ هكذا ينظر كثيرون للحياة فى تجسيد واضح لعيوب مجتمعنا، الذين تتوقف القيم عند مصالحهم، فإن صادفت أحدهم فأهلاً وسهلاً وإن لم تصادفه فهى شر ما دام فعلها الآخرون، فالخير إذا فعلته فهو خير حتى إذا أضر آخرين، فمفهوم الخير هو مفهومى الشخصى الذى يفيدنى وفق تصورى ولا يتجاوز محيطى وإدراكى، شبيه «محمد رمضان» لم يأبه للشرطة وابتسم لأنه يدرك أن قانونه غالب، فالبادى خير أما الخفى فلا شأن له به، خاطرة رمضانية نسطرها على الأوراق لنسجل بعضاً من ازدواجية وفردية رغم «بعبعة» التكاتف والتشارك والتآلف، الخير لا يكون موسمياً، والأشرار لن يغسلهم رمضان، ونهار رمضان مثل ليله يمكن أن تتذكر فيه الناس أيضاً وتحسن إليهم، «شبيه محمد رمضان» يزرع الدائرى بالعرض ذهاباً وجيئة ولسان حاله «أهلا بالموت فى أحضان سيارة فمعى كوب سيذهب بى إلى الجنة.. إنه عرقسوس شفى وخمير»!