ذكر الفليسوف الإنجليزى «برتراند رسل» فى كتابه فتوحات السعادة «Conquest of Happiness»: مجموعة من الأفكار حول أسباب السعادة والشقاء فى الحياة أذكر للقارئ الكريم بعضاً منها، يقول:
- والسعادة نوعان رئيسيان، أحدهما عاطفى مصدره القلب، والآخر فكرى يصدر عن الذهن، يشترك فى الأول كل الناس على السواء، ويستقل بالنوع الثانى طبقات المتعلمين دون غيرهم، وعمدة السعادة فى كلتا الحالتين هو مبلغ حرارة الشعور فى الإقبال على العمل، وحرارة الإقبال هذه منشؤها حرارة الإيمان، إن سر السعادة هو توسيع نطاق ما يجذب النفس من شئون الحياة، وجعل ما يصل بين الإنسان وبين شئون الحياة علاقة تساوق وحب لا تنافر ونزاع، فإن أسباب سعادة الإنسان ترتبط أقوى الارتباط بأسباب جاذبية الحياة، فكلما زادت تلك الجاذبية وزادت معها حرارة الحياة وحماستها زادت أسباب سعادة الإنسان، وتخلص المرء من وطأة القضاء والقدر، ذلك أن المرء الذى يجد فى مختلف شئون الحياة ما يجذب نفسه ويسترق حاسة متعته، لا يهدم القضاء والقدر سعادته، لأنه إن استطاع هدم بعض أسباب سعادته فهو لا يستطيع هدمها كلها، ذلك أن إنساناً كهذا يجد فى كل شىء أمامه سبباً من أسباب المتعة والسرور، يقول ديكارت: إننى أميل دائماً إلى أن أنظر إلى الأشياء التى تتمثل أمام ناظرى من وجهة نظر تبديها لى حسنة تجلب الرضى، ليس ثمة شر، لا يستطيع المرء أن يستخرج منه وجهاً من الخير أو المنفعة إذا كان لديه عقل سليم، بحيث إن فى وسعى أن أقول إن سعادتى تتوقف علىّ وحدى، إننى أعتقد أنه إن وجب على المرء استخدام مهارته فى أمر ما، فذلك أولا،ً وبالذات، فى أن يعرف كيف ينظر إلى أمور الحياة من وجهة تبديها له محققة لفائدته ومصلحته بشرط أن لا يكون فى ذلك خادعاً لنفسه.
- ومن أهم أسباب الشقاء وفقر الإنسان إلى حرارة الحياة شعور المرء بأنه غير محبوب، يقابل ذلك أن شعور المرء بأنه محبوب يذكى فيه تلك الحماسة، وأسباب شعور المرء بأنه غير محبوب كثيرة، والمرء الذى يشعر بمثل هذا الشعور يتجه فى حياته اتجاهات سلبية كثيرة كنتيجة مباشرة له منها: توهم عداء الناس، حيث يتوهم المرء وجود مطاردين له يقتفون خطاه لإيقاع الأذى به، وهو يجهد أكبر الجهد فى ترضى الناس واكتساب عطفهم فيكون عرضة بذلك للفشل المؤلم، أما أولاً فلأن الإنسان ميال بطبيعته إلى عدم العطف على من يستجدى عطفه استجداء، وأما ثانياً فلأن ذلك المرء المجاهد فى ترضى الناس واكتساب عطفهم والإحسان إليهم يسيئه أكبر السوء أقل جحود يناله من الناس فى مقابل إحسانه وترضّيه إياهم، وهو يندفع بحكم هذا الشعور عينه من كراهية الناس له إلى الانتقام، فيشعل الثورات، أو يقيم الحروب، أو يلجأ إلى قلمه فيملأ أسماع التاريخ دوياً بأساليب سخريته وتهكمه، ومعظم الناس الذين يتولاهم شعور بغض الناس إياهم ينفردون فى أنفسهم ويشغلون بها عن العالم وما فيه، وينفردون فى عالمهم الداخلى يعيشون فى جو مظلم من السخط والتشاؤم، وحاجة أمثال هؤلاء إلى العطف تبعث فى نفوسهم حاسة عدم الطمأنينة والقلق، هم يسيرون فى الحياة قلقين مضطربين، وعدم الاطمئنان يحرم النفس الجرأة والإقدام فى الحياة وحسبك به حرماناً يسبب فشل الإنسان فى كل ما يعمل.
- الحسد: وهو سجية أولية فى الإنسان، وآفة الإنسان فى سجية الحسد اللعينة هى اعتياد المرء أن ينظر إلى الحياة نظرة مقارنة ومفاضلة، فالواحد لا يقنع بما عنده ويسعد به ثم يحاول أن يزيده، وإنما هو يقارن بين ما يملك من أسباب السعادة وبين ما يملك غيره منها، فيحسد الغير ويشقى بحسده، والأجدى على الناس ألا يتجهوا فى حياتهم إلى المفاضلة إذا هم نشدوا الهناء وراحة البال.
- الإنسان السعيد هو ذاك الذى يحيا للعالم لا لنفسه ويجد فى كل شىء من أشياء العالم سبباً من أسباب المتعة، ويشعر فى ذاته بأنه هو نفسه متعة للغير وسبب مسرة لهم، إن بعض المدارس الدينية أسرفت فى توكيد الانشغال بالنفس من طريق بعث فكرة الخطيئة فى نفس المرء وفكره، شخصية الفرد جزء من الشخصية الإنسانية العامة، فمصلحة المجموع لا تعنى إنكار مصلحة الفرد، لأن الفرد والمجموع شىء واحد، وسعادة الإنسان هى فى هذا التوافق بين مصلحة الفرد ومصلحة المجموع، والإنسان السعيد هو ذاك الذى لا يشعر بأى تنافر بينه كفرد وبين الغير كمجموع، لأن الفرد والمجموع وحدة لا تتجزأ إلا للشقاء.