بقدر الألم والحزن على استشهاد المستشار هشام بركات الأسبوع الماضى فى عملية إرهابية، كان نصر الله لقواتنا المسلحة بتوجيه ضربات قاصمة للعصابات الإرهابية التكفيرية بعد محاولتهم تحويل مدينة الشيخ زويد إلى ولاية على نسق أفعال التنظيم الإرهابى «داعش». وتلك بإذن الله بداية الطريق نحو النصر الحاسم على الإرهاب، أهم أعداء الوطن والمهدد الأكبر لمسيرته نحو مستقبل أفضل. كما كان تحرك الحكومة السريع ملحوظاً لإقرار قانون مكافحة الإرهاب وتعديل قوانين التقاضى بهدف تحقيق العدالة الناجزة، وذلك بناء على توجيه الرئيس وإلحاح المواطنين، والأمل ليس فقط فى استصدار القوانين، بل الأهم هو تنفيذها.
ومن أجل البناء على تلك التطورات الإيجابية فإن الأمر الملح يصبح الآن هو تصميم استراتيجية جريئة وغير تقليدية لإعادة بناء الوطن تعمل الدولة (الرئاسة والحكومة) على صياغتها، وتشارك فى مناقشتها الهيئات والمؤسسات الاقتصادية العامة والخاصـة والجامعات ومراكز البحث العلمى والمؤسسات الصحفية والإعلامية والقوى السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والمواطنون فى حوار مجتمعى منظم وهادف. إن تلك الاستراتيجية يجب أن تكون انعكاساً لرؤية الوطن كما يحب المصريون أن يكون، وبذلك تبدأ مصر إعادة صياغة شاملة وجريئة لهيكل الدولة والمجتمع وعناصرهما السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لتصبح أكثر اتساعاً ورحابة فى استيعاب حركة المواطنين أفراداً وجماعات فى سعيهم النشط لتحسين وجه الحياة فى مجتمعهم لهدف المصريين إقامة مجتمع ديمقراطى يوفر الحرية والمساواة والعدالة لجميع المواطنين من دون تمييز، ويفتح مجالات العمل الوطنى وفرص المشاركة فى الحياة السياسية والمجالات الاقتصادية والاجتماعية لكل المواطنين الشرفاء الذين يحافظون على ثوابت الوطن ومقدساته ويحترمون دستوره وقوانينه.
وبداية الطريق نحو المستقبل إيمان الشعب والدولة بأن الوطن يمتلك المقومات اللازمة لتحقيق الانطلاق الوطنى، وذلك ما يجب على جميع شركاء الوطن فى مصر أن يؤمنوا به، وأن يتحول ذلك الإيمان إلى عمل مستمر وفعّال فى الطريق إلى تحويل مصر إلى دولة متقدمة فى جميع المجالات.
إن مصر لها رصيد بشرى هائل ويضم تكوينات شبابية متطلعة إلى التغيير ومستوعبة لتقنيات الاتصالات والمعلومات الحديثة وقادرة على التواصل الفعّال مع الغير محلياً وخارجياً. كما تتمتع مصر بطاقة علمية مهولة من أساتذة الجامعات والباحثين فى مراكز البحوث، فضلاً عن المصريين الذين يعملون فى الخارج فى مختلف التخصصات. ويجب ألا يغفل المصريون عن أهمية الموقع العبقرى لبلادهم الذى كان على مدار العصور، ولا يزال، من مصادر القوة الناعمة لمصر، يمتلك المصريون مساحات من الأرض المصرية تبلغ 238 مليون فدان منها أرض زراعية نحو 8.6 مليون فدان (3.6%)، وتتعدد مصادر الموارد المائية. كما يتميز التكوين الحضارى المتميز للشعب المصرى بالقدرة على التفاعل مع الغير واستيعاب وتمثل المستجدات الثقافية والتقنية، كذلك تراكم مخزون هائل من الإنجازات الثقافية والأدبية والفنية وتجليات المبدعين المصريين فى كل المجالات عبر سنوات طويلة، تشهد عليها الآثار المصرية القديمة والإسلامية والقبطية والرومانية.
إن إعادة بناء الوطن تتطلب إحداث نقلة نوعية شاملة فى كافة مرافق الحياة ومجالاتها، تنتقل بالمواطنين إلى الأحسن والأفضل بالمعايير العالمية والنظرة الديمقراطية، مع احترام وتفعيل مبدأ الرجوع إلى القاعدة الشعبية فى جميع المسائل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المصيرية، وألا ينفرد الحاكم أو السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بتلك القرارات رغماً عن إرادة المصريين أصحاب الشأن.
ويجب أن تعتمد الدولة مفاهيم وتقنيات التخطيط الاستراتيجى ومنهجية الإدارة العلمية التى تعتمد فى الأساس على البحث الموضوعى والتحليل العلمى للأوضاع القائمة وتحديد مصادر القوة والضعف فى المجتمع، والتقييم الموضوعى لتأثير المتغيرات المختلفة الداخلية والخارجية على مجمل الحالة المصرية والمصارحة الوطنية والمكاشفة بالعيوب والأخطاء والممارسات غير الديمقراطية، كما تعمل على حشد الموارد والإمكانيات وتوظيفها لتحقيق الأهداف المجتمعية فى التغيير الديمقراطى، ومن ثم يكون من الضرورى إطلاق مشروع مصرى للتنمية الوطنية الشاملة وتحقيق انطلاقة إنتاجية فى الصناعة والزراعة والخدمات، يتحقق من خلاله للمصريين ما هم جديرون به من مستوى كريم للحياة.
إن آليات تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق المستقبل المستهدف لمصر ترتكز على تحديث الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية (الزراعة، الصناعة، السياحة، الخدمات المالية، خدمات النقل، التجارة ونظم التداول)، فضلاً عن التحديث العمرانى وتنمية المجتمعات العمرانية الجديدة، والتوسع فى استثمار مساحات متزايدة من الأرض المصرية بزيادة المعمور منها، وإقامة التجمعات البشرية المتكاملة، ومن ثم تحديث أنماط ومستويات التوزيع السكانى والخروج من الشريط الضيق حول الدلتا، كذلك يكون على المصريين أن يحققوا طفرات فى الإنتاج الزراعى واستثمار الصحراء والتوسع فى تطبيق التقنيات الجديدة فى زراعة الأراضى القاحلة. كما يجب على المصريين أن يستعيدوا مكانتهم فى الصناعة ويعملوا على توطين التقنيات الصناعية الحديثة وإحياء صناعات كان المصريون متقدمين فيها مثل الغزل والنسج والأثاث والصناعات الجلدية فضلاً عن تصنيع المنتجات الزراعية، بما يوفر كل احتياجات المواطنين ويتيح فرصاً متزايدة لتصدير المنتجات المصرية -المطابقة للمواصفات العالمية- إلى كافة أسواق العالم.
إن الدخول إلى المستقبل يكون بتحديث التعليم والتدريب ومنهجيات إعداد وتطوير وتنمية الموارد البشرية، ويتطلب أيضاً تحديث أنظمة العلاج والخدمات الصحية والرعاية الطبية ومنظومة التأمين الصحى وتطوير أساليب وقدرات مؤسسات العلاج التأمينى للعمل على إيجاد قوة عاملة منتجة وفعّالة تتمتع بالكفاءة والقدرة على الإنجاز فى جميع مجالات العمل والإنتاج.
ومن أجل تأمين عملية الانتقال إلى مستقبل أفضل، يجب إعطاء أهمية قصوى لقضيتين رئيستين؛ مكافحة الفساد، والعناية باستكمال منظومة العدالة الاجتماعية التى تمس مصالح ملاين من المصريين الكادحين والباحثين عن فرصة لحياة إنسانية كريمة.
إن العمل على إعادة بناء الوطن لا يقل خطورة عن الحرب ضد الإرهاب، وهو ما يتطلب أن يكون الجميع، الرئاسة والحكومة والشعب، على استعداد للحرب والتضحية من أجل أن تحيا مصر.