■ انهمك «عادل»، الملازم بوحدات الجيش المصرى المرابطة فى منطقة الشيخ زويد بسيناء، فى قراءة كتاب يحكى سيرة سيدنا على بن أبى طالب.. عاش بقلبه وجوارحه مع بطولة على وشجاعته سواء فى غزوة بدر أو فى خيبر أو غيرهما.. لم يكن يعرف من قبل فروسية وشجاعة هذا الصحابى الذى كان يتصوره حكيماً وعالماً وحاكماً فقط.. لم يتصور يوماً أن ينزع على وحده باب أحد الحصون فى فتح خيبر.
■ عاش مع حِكَمه العظيمة وتوقّف عند بعضها كثيراً.. ظن أنه رأى بعضها وكأنها تشرح الحاضر والمستقبل وتعالج قضاياهما.. لكنه توقف كثيراً عند بشارة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعلى بن أبى طالب بأنه سيقاتل الخوارج دون غيره.
■ تعجّب كيف يقوم الخوارج بتكفيره وهو الذى حمى الرسول بنفسه يوم الهجرة ثم هاجر «والهجرة تجب ما قبلها».. وشهد بدراً والله وعد أهلها بـ«افعلوا ما شئتم فإنى قد غفرت لكم».. وهو الذى ائتمنه الرسول على ابنته القديسة العظيمة فاطمة الزهراء.
■ أعجبه أن علياً لم يبدأ الخوارج بالحرب، بل أرسل إليهم ابن عباس، حبر القرآن، وأوصاه بأن يجادلهم بالأحاديث ونجح ابن عباس فى مهمته، حيث أقنع 6 آلاف منهم بالعدول عن فكرهم.
■ تعجّب الملازم «عادل» لحلم على بن أبى طالب الذى رفض أن يقاتل الخوارج حتى يقاتلوه، فلما قتلوا ابن الصحابى خبّاب بن الأرتّ وزوجته.. قاتلهم وقتل قائدهم.
■ فرح لهذه النهاية ولكنه صُدم حينما قرأ أن بعض الخوارج خططوا لاغتيال الصحابة الثلاثة على ومعاوية وعمرو بن العاص رضى الله عنهم.. كان معاوية وعمرو من دهاة العرب ولديهم حاسة أمنية وعسكرية وسياسية، أما على فكان يتشبه بالرسول (صلى الله عليه وسلم) فى بساطته واختلاطه بالناس وتواضعه لهم.. ولم يتوقع أن يقتله الخوارج فقد كان عادلاً معهم رحيماً بهم لم يذفف على جريحهم ولم يقتل أسراهم ولم يكفّرهم كما كفّروه.. بل قال لمن سأله عن حكمهم «إخواننا بغوا علينا».. فقد كان وقّافاً عند حدود الله.. فأطاع الله مع الذين عصوا الله فيه.
■ ذهب على بن أبى طالب لصلاة الفجر دون حراسة، هكذا قرأ الملازم «عادل».. أمسك بقلبه وخاف من غدر الخوارج أو أن تكون هذه الصلاة نهايته.. ولكن كلمات الكتاب نطقت بهذه النهاية الحزينة.
■ دمعت عيون الملازم «عادل» على مقتل إمام عظيم من أئمة الإسلام.. وضع الكتاب جانباً وهو يترضّى على الخليفة والحكيم والعابد والبطل العظيم.
■ تذكّر أن الزمن يضنُّ على العرب والمسلمين منذ زمن طويل بحاكم مثل على بن أبى طالب.
■ قارن بين حكام العرب جميعاً وعلى بن أبى طالب، وجد البون شاسعاً والفرق كبيراً.. ولكن لمعت فى عقله فكرة غريبة ولكنها صحيحة.. حيث فكر فى تنظيم أنصار بيت المقدس التكفيرى الذى يهاجم الكمائن التى يحرسها مع جنوده.. تذكّر كيف قتلوا من قبل بعض زملائه الضباط وكذلك الجنود الذين عملوا معه من قبل.. وكلهم كانوا من المصلين العابدين الصائمين.. تذكّر «رفح الأولى»، حيث قتلوا الجنود وهم يفطرون بعد المغرب دون اعتبار لقداسة الشهر والصيام.. وأن التكفيريين يقتلون فى كل العهود من عهد مرسى وحتى اليوم.
■ تعجّب كيف يكفّر هؤلاء الجيش المصرى وهو من خير أجناد الأرض وهو الذى هزم التتار والصليبيين من قبل.. فالله لم يتعبّدنا بتكفير الخلائق ولكنه تعبّدنا بهدايتهم.. ولن يسأل الله مسلماً يوم القيامة «انت كفّرت كام واحد».. ولكنه سيسألنا: «انت هديت كام واحد.. وحبّبت كام واحد فى الإيمان والدين».. هكذا حدّث نفسه ثم سألها: وهل هناك تكفير بالجملة؟ فهذه الأحكام تخص القلوب وهى مناط الإيمان.. وكل إنسان له حكم خاص به.. وحتى الأسرة الواحدة لا يمكن أن ينطبق عليها حكم واحد.. تذكّر عدل القرآن مع خصومه حينما قال «ليسوا سواء».
■ قال الملازم عادل لنفسه: هل أنصار بيت المقدس هم نفس الخوارج الذين قاتلوا حبيبى على بن أبى طالب وقاتلهم؟!.
■ هتف صائحاً: وجدتها.. إنهم هم، بل أسوأ منهم.. فقد ضموا إلى صفوفهم تجار المخدرات وقطاع الطرق والبلطجية وأرباب السوابق.. تذكر حديث النبى (صلى الله عليه وسلم): «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان»، فهكذا وصفهم.. وجد الدواعش لم يُصدروا بياناً واحداً حتى ضد إسرائيل.. ويذبحون المدنيين البسطاء.. فيكونون الخصم والحكم والمنفذ والجلاد.
■ استرجع قصة حبيبه على بن أبى طالب.. ترى هل وضعه القدر فى نفس مكانه؟.. وهل يكون من أتباعه إذا قاتل هؤلاء أو قتلوه؟.. وهل يناله حظ من بشرى النبى لعلى إذا أصابه هؤلاء أو قتلوه؟
■ طرد هذه الخواطر من عقله.. فزوجته فى انتظاره.. تفكّر فى الكرب الذى سيصيب أسرته وخاصة والديه إذا حدث ذلك.
■ اقترب موعد نوبته فى قيادة كمين «أبورفاعى» بالشيخ زويد.. يا لها من منطقة عصيبة.. إنها الأقرب لهؤلاء التكفيريين وفى مرمى هجماتهم.
■ طرد خواطره السابقة وتجهّز بسلاحه لأداء خدمته فى قيادة الكمين مع 17 جندياً يعتبرهم أشقاءه.. كلهم من البسطاء الذين يؤدون ضريبة الدفاع عن الوطن.. لا علاقة لهم بالسياسة ولا أطماع لهم فى المناصب ولا حظ لهم فى الدنيا.
■ بعد ساعات معدودة هجم التكفيريون من أنصار داعش بسيناء على الكمين.. رأى الغدر فى أعينهم، قاومهم مع جنوده بكل بسالة ودحر هجومهم.. وانفجرت سيارتهم بعيداً عن الكمين.. ولكنه ودّع الحياة بشظية من شظايا التفجير.
■ رأى، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكأن على بن أبى طالب يبشره باللقاء فى الجنة.
■ ودّع الكمين ورجاله بنظرة راضية حانية وهو يرى جنوده البواسل قد انتصروا على التكفيريين الدواعش بالحق والعدل.