ما بين أيام التاريخ صلات تضيع بين كثرة الأحداث وتشابكها. ولكن بقليل من التأمل يمكنك إدراك الكثير فى دروس التاريخ ومعانيه. من بين تلك الأيام يبرز العاشر من رمضان عام 1973، و30 يونيو 2013. نعم فبقليل من التفكير فى الحدثين وما كان بينهما من أحداث يمكنك أن تدرك حجم الصلة القوية بينهما وكيف أن 30 يونيو كان نتيجة لنصر العاشر من رمضان أو استكمالاً لملحمة الصراع مع عدو لن يتوقف عن إحباطك أو كسرك أو تحجيم دورك.
التاريخ يقول إن الغرب كان يتوقع تحركاً عسكرياً مصرياً لتحرير سيناء، ولكن الغرب كان يتوقع تحركاً يؤدى إلى تحريك الموقف المتجمد بيننا وبين إسرائيل، وليس تحركاً عسكرياً يكسر إسرائيل ويهزمها. ولكن ما حدث كان غير ما توقع الجميع إلى الحد الذى دفع جولدا مائير للصراخ فى وجه الأمريكان طالبة العون والمدد. وتنتهى الحرب ويدرك الغرب وإسرائيل الدرس جيداً. درساً مفاده أن المصريين لا يموتون ولا يتركون حقاً لهم ويمكنهم قيادة العرب، ولذا لا بد من العمل عليهم والتخطيط بما يحقق المصالح الكبرى لدولة إسرائيل.
من هنا كان تحرك برنارد لويس المستشرق الصهيونى الذى رأى الحل فى زيادة تفتيت المنطقة، وتصغير ما نتج عن سايكس بيكو عام 1917. جاء ذلك عام 1974 وهو ما التقطه بيرجينسكى، مستشار الأمن القومى الأمريكى فى عهد جيمى كارتر، ليصيغا رؤيتهما للمنطقة بتصديق من الإدارة الأمريكية. ولذا فبينما كانت إيران شرطى أمريكا فى المنطقة والشاه يشعر بالأمان فى علاقته بها، وبينما كانت أمريكا تحتضن السلام المصرى الإسرائيلى واعدة إيانا بالرخاء والنماء، كان الإعداد فى الـ«سى آى إيه» لثورة الخمينى وعودته لإيران رافعاً شعار دولة الشيعة بمساعدة الإخوان المسلمين، القوة الثورية السنية فى المنطقة التى ورثتها أمريكا من المخابرات البريطانية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، دافعة إياها لتأييد الملالى فى الفكر والرؤية والهدف الذى خُطط لتكراره فى مصر خلال ثلاثة عقود. هكذا قالت وثائق الأمريكان المسرودة فى كتاب «رهينة فى قبضة الخمينى» للكاتب الأمريكى «روبرت ترايفوس» منذ عام 1981. رأيت هذا بعينى فى إيران 2011 حينما عارضت قولهم بأن ثورة يناير هى امتداد للثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، رأيته حينما طلب عصام سلطان من أحمدى نجاد زيارة مصر لأن المصريين ينتظرونه فى التحرير! وشاهدتموه حينما زار «نجاد» مصر فى أحضان الإخوان كالفاتحين عام 2012 وكأنها لحظة اقتسام النصر.
وهكذا كان الحديث عن الفوضى الخلاقة تكراراً لخطة «لويس - بيرجينسكى» ليس إلا. وكانت سرقة الإخوان لثورات الربيع العربى تجسيداً لتلك الفوضى. وكان التنازل عن سيناء للفلسطينيين حلاً لمشكلة إسرائيل جزءاً من المخطط، ومنح حلايب وشلاتين للسودانيين زيادة أرض لا نحتاجها تمهيداً لدولة للنوبيين. وكان تدعيم النعرة الطائفية بقوة فى مصر التى شهدت أول حادثة قتل بشعة للشيعة فى الجيزة، وكان نعيق الإخوان بتمييز مسيحيى بلادى وعدم جواز تهنئتهم فى الأعياد وحرق كنائس عبادتهم والتحرش بمصالحهم بشكل قمىء. كل هذا يجرى فى بلادى بينما وطنى العربى يندثر. سوريا تنهشها الميليشيات من كل لون ولولا تضارب مصالح بين غرب وشرق على أرضها لأبيدت منذ سنوات. العراق تقسم بين سنة وشيعة وأكراد وأيزيديين ومسيحيين. اليمن ضاع بين سعودية السنة وإيران الشيعة. وليبيا ماتت إكلينيكياً بضربة الناتو العسكرية. بينما إسرائيل كما يردد سياسيوها واحة الاستقرار فى المنطقة!! كان المصريون يتابعون كل هذا وهم يعرفون حقيقة واحدة.. الموت أبقى من ضياع مصر. من هنا كانت 30 يونيو 2013 لتقوض ما تم التخطيط له عقب العاشر من رمضان من صهاينة الخارج والداخل. فلا تنسوا تاريخكم ولا تفرطوا فى بلادكم.