انتفاضة 1935 .. ثورة منسيّة كان "الدستور" شرارتها

كتب: أمل القاضي

انتفاضة 1935 .. ثورة منسيّة كان "الدستور" شرارتها

انتفاضة 1935 .. ثورة منسيّة كان "الدستور" شرارتها

"ما أشبه اليوم بالبارحة".. مقولة تصف المشهد الحالي، ففي الوقت الذي أصبح فيه "وضع الدستور" حديث الساعة ومثار جدل بين جميع فئات الشعب، يتزامن فيه الوقت ذاته ذكرى انتفاضة شعبية مر عليها 77 عامًا، والتي كان "الدستور" هو المحرك الرئيسي لها أيضًا وكأن التاريخ لايزال يكرر حوادثه دون تعلم الشعوب. اندلعت الانتفاضة الشعبية في مصر عام 1935 التي قامت ضد الاحتلال البريطاني والحكومة التي كان يترأسها آنذاك "محمد توفيق نسيم باشا"، حين اعترضت مجموعات من التيارات المختلفة من فئات الشعب على إلغاء حكومة إسماعيل صدقي لدستور 1923، وإصدار دستور 1930 بدلًا منه، فانتفض الشعب ضده بعد اكتشاف ما به من عَوار؛ حيث كان دستورًا يمنح الملك سلطات كبيرة، فقد كان يحق له تعيين وعزل الحكومات، وهو ما اعتبر تقليصا من سلطات الشعب لصالح الملك. "إن المصريين لا يناسبهم الحكم البرلماني، فلم لا يتركوني أحكم مصر كما أريد لأنني أعرف وأتقن هذه المهمة".. كان ذلك هو رأي الملك فؤاد في المصريين عند صياغة دستور 1923، والذي كان يضمن قدرا كبير من السلطة للشعب، حيث تمت صياغته بواسطة لجنة مكونة من ثلاثين عضوًا، ضمّت ممثلين للأحزاب السياسية والزعامات الشعبية وقادة الحركة الوطنية، وقد زعم تلك اللجنة "عبد الخالق ثروت باشا"، وكان ينص ذلك الدستور على أن حكومة مصر "ملكية دستورية" لها برلمان ووزارة. مفارقة تجمع ما بين الماضي والحاضر، فقد شهدت لجنة إعداد الدستور آنذاك جدلًا كبيرًا، حيث وصفها سعد باشا زغلول بأنها لجنة "الأشقياء"، معلنًا انسحابه منها، مشددًا على ضرورة أن تكون لجنة وضع دستور البلاد "جمعية تأسيسية منتخبة" وليست لجنة حكومية؛ تجنبًا لأي ضغوط قد تتعرض لها تلك اللجنة وتنجذب لطرف دون الآخر، ولعل ذلك نفس ما تشهده لجنة إعداد الدستور لعام 2012، رغم تنفيذ ما أوصى به زعيم ثورة 1919 من تشكيل "جمعية تأسيسية". دستور 1923 كان عُرضة للاغتيال فور وضعه؛ لما فيه من إتاحة سلطات أكبر للشعب، وهو ما نجح في تنفيذه الملك فؤاد بعد 7 سنوات من استهدافه بمعاونة حكومة إسماعيل باشا صدقي، الذي قام بإلغائه وإصدار دستور 1930 بدلًا منه، مستعيدًا من خلاله السلطة لقبضة الملك، فيما قابله تذمر وغضب شعبي لم يهدأ، استمر طيلة خمس سنوات تبدلت فيه وزارات تم تعيينها بأمر الملك، فهو مَن يحق له ذلك وفقًا للدستور الذي منحه كافة السلطات. "نصف ثورة".. هكذا وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الانتفاضة الشعبية عام 1935، واعتبرها من الثورات المنسيّة في التاريخ والتي لا تقل في عظمتها عن ثورة 1919، فقد أجبرت تلك الانتفاضة الملك فؤاد على عودة دستور 1923، وإسناد الوزارة إلى الزعيم مصطفى باشا النحاس وإقالة وزارة محمد توفيق نسيم، وهو ما تم على يد الجيل الذي تربى على ذكرى 1919 وكبر ودخل الجامعة ثم بدأ يعمل بالسياسة، فقد كانت ثورة شباب.