بالصور| دراما "ع اللحم"..!
كنت شاباً صغيراً مفتوناً بالممثلين والممثلات.. أراهم دائماً يرسمون فى مخيلتى عالماً من الشخوص والنماذج الإنسانية الملهمة.. لذا كنت أحرص على متابعة تصوير المسلسلات داخل البلاتوه.. رأيت المخرج العظيم نور الدمرداش وهو يملأ استوديوهات ماسبيرو بالتوهج.. ولمست بأصابع يدى تجسيداً حياً وراقياً للأديان السماوية فى سلسلة «محمد رسول الله» للمخرج العبقرى أحمد طنطاوى.. ومعهما كان محمد فاضل يبدع فى دراما مكتوبة باسمه.. ثم جاء بعدهم إسماعيل عبدالحافظ برائعة «ليالى الحلمية» التى ضارعت فى ملحمية الدراما «ألف ليلة وليلة»..!
ليس هذا حديثاً عن ذكريات طالب «إعلام» وصحفى شاب فى بلاتوهات الدراما التليفزيونية المصرية.. وإنما بكاء على شاشة ملساء، رأيتها وهى تقود التنوير والثقافة، ثم كتب الله علىَّ أن أراها الآن وهى تعلى شأن القوادين والمدمنين، وترسّخ لقيم الانفلات والتهتك فى بيوت المصريين.. كان نور الدمرداش، يرحمه الله، يقول للممثلين والممثلات وهو يقف شامخاً فى استوديو 15 بالتليفزيون المصرى -لم يكن الله قد ابتلانا بعد بمدينة الإنتاج الإعلامى-: «إحنا فى التليفزيون يا جماعة.. يعنى فى كل بيت.. لازم نرتقى بالناس.. واللى مش عاجبه يروح السيما».. لم يكن «الدمرداش» استثناءً، إذ كان «محمد فاضل» يتابع بنفسه ملابس الممثلات، ليتأكد من اتساقها مع الذوق العام.. وفى إحدى المرات ارتجل ممثل كلمة خارج النص فى أحد المشاهد.. فانتفض المخرج أحمد طنطاوى، ودخل البلاتوه صارخاً: «إحنا فين يا بابا.. إنت فى التليفزيون مش فى المسرح التجارى.. فيه نص محترم تلتزم به».. ثم وقف «طنطاوى» وقلّب وجهه بين فطاحل التمثيل فى الاستوديو، وصاح بأعلى صوته: «اللى هيقول كلمة أو يعمل حركة يفكر الأول هو يقبل إن ولاده يسمعوها أو يشوفوها فى البيت ولاّ لأ.. ؟!».
هكذا كانوا.. وهكذا رأيتهم بعينى.. لذا كانت الدراما المصرية هى شاشة كل العرب.. ولم يحدث أن منعت أُمٌّ أبناءها من مشاهدة التليفزيون خوفاً على أخلاقهم.. ولم يحدث أن تشاجر مخرج مع ممثلة، لأنها تعرّت على الشاشة الفضية.. فالأمر لم يكن وارداً من الأساس.. ولم يحدث أن حذفت الرقابة مشاهد رقص وعُرى من المسلسلات.. الرقابة أيامها كانت تلاحق السينما فقط.. أما التليفزيون، فكان له رب يحميه..!
رحل جيل الفن الجميل.. وجاءت أجيال القبح والعرى و«المسخرة».. وبات النص الدرامى الذى تقبله شركات الإنتاج هو الأكثر إسفافاً وألفاظاً خادشة للحياء.. وهجرت نجمات الإغراء شاشة السينما، وانتقلن لشاشة التليفزيون بنفس الملابس الخارجة والرقصات الساقطة.. وأصبح مخرج التليفزيون بـ«ضفيرة وفيونكة ولبانة وسلسلة صدر وحظّاظة وسجاير ملفوفة».. أما نحن فعلينا أن نجلس أمام الشاشة فى ليالى شهر رمضان الكريم، لنشاهد نماذج بشرية ممسوخة، ونسمع ألفاظاً يخجل المرء من النطق بها فى الأزقة والحوارى.. وصدوراً وأفخاذاً لممثلات قبيحات، الواحدة منهن أجرت 7 عمليات تجميل قبل التصوير.. والثمن: شعب كامل تُراق مبادئه وأخلاقه من أجل إعلانات رمضان على فضائيات «المسخرة»..!
شخص مثلى يصعب عليه أن يشاهد مسلسلات «المسخرة».. ولكنّ أبنائى وأبناءك يشاهدونها.. ورمضان يفر من بين أيدينا دون رحمة أو مغفرة.. أغلق تليفزيونك.. وعلّم أبناءك أن ما تعرضه الفضائيات غثاء و«دراما فاسدة».. ولا تشارك فى هذه الجريمة.. فكيف لك أن تقضى شهر العبادة مع هيفاء وهبى وفيفى عبده ومىّ عز الدين ورامز جلال؟!
هذا الملف محاولة أخيرة قبل «رمضان» بساعات: قاطعوا فضائيات «المسخرة» فى شهر الرحمة والمغفرة..!