كارنيه عضوية "الوفد" على طريقة الحكومة: "فوت علينا بكرة يا حضرة"
![كارنيه عضوية](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/294335_Large_20141218025607_25.jpg)
سيارات تجرى مسرعة، عشرات المارة يسيرون على جانبى الطريق، بائع صحف وكتب يلتف حوله بضعة مواطنين، فريقٌ منهم يكتفى بمطالعة العناوين المجانية، وآخر يسحب نسخاته المفضلة ويواصل طريقه بعد أن يدفع الثمن، محال ومنافذ تجارية تتنافس فى أعمال البيع والشراء وسط عدد لا يحصى من الفاترينات المتجاورة واللافتات التى تتداخل أسماؤها.. حياة لا تهدأ، وحركة لا تتوقف، كُلٌّ فى فَلَكٍ يَسْبَحُون مع الساعات الأولى من صباح يوم، لا يختلف كثيراً عن باقى أيام المصريين، لكن «الوطن» قررت أن تقضيه بطريقة أخرى فى أرض مختلفة، وواقع مغاير، تتوقف فيه الحياة، وتسكن بداخله الحركة، وتمر عقارب ساعته الزمنية بروتين بالغ، وتدق دقاتها بإيقاع ممل ومنفرد وسط سكون تام يسيطر على «دكاكين الأحزاب» الكاسدة بضاعتها، التى لا بيع فيها ولا شراء، المعزولة وراء أسوار شاهقة، وأبواب مغلقة، واجتماعات سريّة لا يعرف المواطن عنها شيئاً، ولا تترك فى حياته أثراً.
داخل أعرق الأحزاب المصرية، كانت الساعة الأولى من عمر «يوم الأحزاب» الذى قضته «الوطن»، بوابة واسعة يعلوها اسم «حزب الوفد» وشعار «الهلال والصليب»، ومن ورائها قصر عريق بدا مع الخطوات الأولى مهجوراً، مكاتب مغلقة، وهدوء لا تعكر صفوه حركة أو صوت، إلا حركة الأقدام وأصواتها، فى الطابق الثانى من القصر المكتظ فقط بتماثيل زعماء «بيت الأمة» الراحلين وصورهم، كان أحد الموظفين يجلس وحيداً فى مكتبه، وبسؤاله عن استخراج عضوية الحزب، رد على السؤال بسؤال مماثل، بعد وهلة قصيرة حاول فيها أن يتغلب على صدمته، حتى قال مندهشاً: «عايز تعمل عضوية فى الحزب؟»، ثم طالب -بعد الإجابة عليه بالإيجاب- بإحضار صورتين شخصيتين، وصورة بطاقة الرقم القومى، وقيمة اشتراك العضوية، مختتماً حديثه بـ«وابقى فوت علينا بكرة، أو الأسبوع الجاى»، العبارة نفسها التى تتردد داخل جميع المصالح الحكومية، لم تكن بمنأى عن الحزب المصرى الوحيد الذى تولى مسئولية تشكيل حكومة لإدارة البلاد عقب فوزه فى انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، إذا غض التاريخ بصره عن الحزبين المنحلين، «الوطنى» ممثلاً لنظام «مبارك»، و«الحرية والعدالة» ممثلاً لتنظيم «الإخوان».
مع الخروج من بوابة القصر، التى يواجهها تمثال فؤاد سراج الدين، آخر «باشوات» الوفد وزعمائه التاريخيين، بدأت عجلة الحياة تدور مجدداً تحت أشعة الشمس الساطعة، مع توالى مرور بعض المواطنين من البوابة الرئيسية للحزب، لكنهم واصلوا طريقهم فى اتجاه مبنى الجريدة القائم وراء القصر، ليظل الأخير بلا حياة، الحياة التى عادت تماماً بمجرد عبور حدود أسواره نهائياً، والخروج إلى رحابة الشارع وحركته وضوضائه. على ناصية الحزب كان «عم على»، بائع بسيط، يرتدى جلباباً داكن اللون، ويسحب بجواره دراجة يحمل عليها حمولة كبيرة من «فوانيس رمضان» متنوعة الأشكال والأحجام والألوان، «عاش الوفد ضمير الأمة» العبارة التى اتخذها المصريون شعاراً يرددها الفقير والغنى، قبل نحو 90 عاماً، صارت اليوم مجهولة عند بسطاء الشعب، وشريحة كبيرة من ميسورى الحال منه، وربما محلاً للسخرية: «حزب مين يابن الحلال، وضمير أمة مين، لا أعرف وفد ولا غيره، أنا راجل بجرى على أكل عيشى، والشهر الكريم داخل علينا وعايز أبيع الكام حتة اللى معايا»، قال «عم على» ثم واصل طريقه دون أن يلتفت بنظرة واحدة إلى حزب كان يحكم مصر، ويمر يومياً بجوار سوره الحديدى، دون أن يعرف اسمه.