الرئيس "الضرورة" فى "الدولة العميقة"
استطاع الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ توليه المنصب، 8 يونيو 2014، أن يستعيد «هيبة الدولة» خارجياً، على المستويات الدولية والأفريقية والعربية، وداخلياً فى عودة الاستقرار للبلاد، والمضى قدماً فى مكافحة الفساد واستمرار الحرب على الإرهاب، وتحسين المستوى الاقتصادى لمصر، والدفع بمشروعات قومية توفر فرص عمل للشباب. ومنذ اليوم الأول لـ«السيسى»، كان تأكيده فى حفل تنصيبه بقصر القبة، أنه لن يسمح بخلق قيادة موازية تنازع الدولة هيبتها وصلاحيتها، وأنه «لا تهاون ولا مهادنة مع من يلجأ للعنف ومع من يريدون دولة بلا هيبة، نعدكم أن المستقبل القريب سيشهد عودة هيبة الدولة».
داخلياً، ظهر «السيسى» كرجل دولة فى مواجهة عدد من الأزمات، أبرزها الكهرباء والبنزين والعشوائيات والأمن والفساد، واستطاعت حكومته الوقوف أمام البائعة الجائلين لنقلهم من وسط البلد إلى مكان خصص لهم فى رمسيس، وبعد حادث التحرش التى تعرضت له سيدة فى ميدان التحرير، فى بداية ولايته، حرص كرجل دولة على زيارتها فى المستشفى وتقديم اعتذار لها قائلاً: «كدولة لن نسمح بذلك مرة أخرى، وستكون لنا إجراءات فى منتهى الحسم»، وما من أيام إلا وتم نقل البائعين الجائلين.
وفى أزمة الكهرباء، لم يتوان «السيسى» عن مواجهة الأزمة خلال العام الأول من حكمه، وتعاقد مع شركات لبناء محطات لتوليد الكهرباء، ورغم تأكيده أننا نحتاج إلى 40 مليار جنيه مصرى لإقامة محطات توليد الكهرباء، بواقع 2.6 مليار دولار لإقامة هذه المحطات، و3 مليارات دولار وقود لتشغيلها، فإنه شدد على أنه لن يسمح بأن تنقطع الكهرباء خلال فصل الصيف الحالى، وهو ما بدأ يلاحظه الكثيرون مع بداية فصل الصيف.
المواجهة الثانية، كانت مع قرار «السيسى» برفع الدعم عن أسعار الوقود، ورغم أنه قوبل بحالة استياء من المصريين، فإن الرئيس ظهر كرجل دولة من أجل سرعة رفع المستوى الاقتصادى للبلاد فى ظل الأزمة التى تعانى منها، وقال إن «زيادة أسعار الوقود خطوة مهمة تأخرت أكثر من خمسين عاماً، والهدف منها تحقيق الاستقرار والتنمية، وهذه القرارات تندرج فى إطار تصحيح المسار والتضحيات الواجب تقديمها لمصر حتى تتمكن البلاد من السير بخطى متسارعة نحو الاستقرار والتنمية وحماية الأمن القومى»، كما لم يتوان الرئيس عن التعبير عن غضبه من قطع البث عن التليفزيون، بقوله: «إن التليفزيون والإذاعة المصرية سواء كان قطاعاً عاماً أو خاصاً، أمن قومى مصرى، ولا يجوز، ولا يسمح، بتوقف البث ولو لدقيقة واحدة، ولا تهاون فى هذه المسألة بأى شكل من الأشكال»، كما اهتم الرئيس بالعشوائيات، وخصص لها 500 مليون جنيه من صندوق تحيا مصر لتطويرها ونقل منطقة الدويقة خلال عام.[FirstQuote]
وعلى مستوى الأمن، وجهت الدولة ضربات للتنظيمات الإرهابية، واستطاعت القبض على عدد كثير من أعضائها، الذين كانوا يستهدفون حرق وتدمير مؤسسات الدولة، واغتيال ضباط وجنود الجيش والشرطة، وتصفية رجال القضاء والإعلام، لتثأر لشهدائها من قوات الجيش والشرطة، وقال «السيسى» إن جميع أجهزة الدولة تعمل ضد الإرهاب الأسود الذى يضرب ربوع الوطن وتحولت تكتيكاته خلال الفترة الماضية إلى استهداف البنية الأساسية والمرافق الخدمية وتوسع فى حربه النفسية ضد المواطنين، موضحاً أن جهود مكافحة الإرهاب، فى شهر أبريل الماضى فقط، تضمنت ضبط 594 عنصراً إرهابياً سبق صدور قرارات من النيابة بضبطهم، ونحو 62 متهماً بحوزتهم عبوات متفجرة وأسلحة وذخائر، وضبط 122 عبوة ناسفة، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الأسلحة النارية والخرطوش والذخائر مختلفة الأنواع، كما تراجعت العمليات الإجرامية، والاضطرابات، والاحتجاجات العمالية والطلابية، واستعادت الدولة هيبتها بشكل كبير على الشوارع والميادين والجامعات.
وجاءت «سيناء» فى مقدمة المحافظات التى اهتم «السيسى» بمواجهة الإرهاب بها، حيث استطاعت القوات المسلحة والشرطة فى عهده تدمير 150 بؤرة إرهابية والقبض على 188 من العناصر الإرهابية المطلوبة فى سيناء، والتوسع فى تدمير الأنفاق بالمنطقة العازلة برفح التى وصل طول بعضها إلى 3 كم، وتم تدمير نحو 80% منها، وأعلن «السيسى» عن أنه سيتم الإعلان قريباً عن إطلاق مشروعات لتنمية سيناء، فى إطار مكافحة الإرهاب، واعتمد الرئيس على استعادة الأجهزة الأمنية كفاءتها، بتشديده على ضرورة الاهتمام بتأهيل وتدريب عناصر الأمن بما يؤدى لتطوير أدائهم ويساعدهم على إنجاز المهام المنوطة بهم بأعلى درجة من الاحترافية، وتوجيه كل أجهزة الأمن بضرورة التواصل مع الشعب والتعامل باحترام مع المواطنين وصيانة حقوقهم وتوفير الحماية الكاملة لهم، بما يُشعرهم بتحسن الأوضاع الأمنية.
وعلى مستوى مكافحة الفساد، اتخذ الرئيس السيسى عدة إجراءات، على رأسها إصداره قراراً جمهورياً بتعيين محمد عمر هيبة مستشاراً لرئيس الجمهورية لمكافحة الفساد، موضحاً، خلال حديثه الشهرى الأخير للشعب، أن مواجهة الفساد ستتم من خلال العمل على محورين، الأول بالمواجهة الأمنية والملاحقة القضائية، والثانى هو إطلاق حزمة من التشريعات والقوانين والاتجاه إلى التكنولوجيا الحديثة، إضافة إلى ضبط 344 قضية فساد من رشوة واستغلال نفوذ واستيلاء وإضرار بالمال العام وتربح واستيلاء على أراضى الدولة، ونتج من ذلك استرداد الدولة 3.5 مليار جنيه واسترداد أراض بمساحة 135 ألف متر مربع، كما تم تقديم مسئولين كبار ورجال أمن وقضاء إلى المحاكمة، بعد أن ثبت تورطهم فى جرائم فساد وتعذيب وإهانة المواطنين، وتخصيص دوائر قضائية لسرعة الفصل فى القضايا التى تشغل الرأى العام، لتحقيق فكرة العدالة الناجزة.[SecondQuote]
اقتصادياً، أطلق «السيسى» مشروعات قومية فى إطار تحسين مستوى الاقتصاد، أبرزها الإعلان عن قناة السويس الجديدة، واستصلاح المليون فدان، إضافة إلى نجاح المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، ما جعل مستوى الاقتصاد المصرى يرتفع من «مستقر» إلى «إيجابى». ويقول اللواء محمود منصور، الخبير الاستراتيجى والأمنى، إن «السيسى» استطاع أن يستعيد هيبة الدولة داخلياً، عندما استطاع أن يجدد الأمل فى التقدم والتنمية، ونشر الاستثمارات على كافة أرجاء الدولة، وظهور قوة الدولة فى الضربات الموجعة التى وجهت لتنظيم الإخوان الإرهابى ومن تابعهم من 6 أبريل والأناركية والألتراس، إضافة إلى توجيه الضربات الاستباقية العنيفة إلى الإرهاب القادم إلينا من أنفاق رفح، فكل هذه الأشياء أعادت لنا الكرامة والعزة، التى هى مظاهر هيبة الدولة، كما لا نستطيع أن ننكر الشخصية الأمينة التى تذوب حباً فى وطنها مصر وهى شخصية الرئيس المحبوب عبدالفتاح السيسى.
خارجياً، كان الحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربى، هو الخطوة الأولى لاستعادة «هيبة الدولة»، واعتمد الرئيس على خبرته المخابراتية، وعدد من مستشاريه المتخصصين فى الأمن القومى وأبرزهم السفير خالد البقلى، أمين مجلس الأمن القومى، والسفيرة فايزة أبوالنجا، مستشارة الرئيس للأمن القومى، إضافة إلى الوزير خالد فوزى، مدير المخابرات العامة، والسفير سامح شكرى، وزير الخارجية، فى رسم سياسة استعادة «هيبة الدولة» خارجياً، ما جعل مصر تنتقل من خانة المشاهد إلى خانة اللاعب والشريك الأساسى، خاصة فى ملفات أزمات المنطقة فى سوريا والعراق وليبيا ثم اليمن، والقضية الفلسطينية، وحل أزمة سد النهضة.
فعلى الصعيد العربى، كانت تصريحات «السيسى» دائماً أن الأمن القومى المصرى جزء من الأمن القومى العربى، وعندما تم ذبح 21 مصرياً فى ليبيا، لم يتوان «السيسى» عن الثأر لهم، وقام سلاح الطيران بتوجيه عدة ضربات ناجحة، استهدف أماكن تدريب تنظيم «داعش» الإرهابى، ومخازن سلاحه، كما شاركت «مصر» جوياً وبحرياً فى «عاصفة الحزم»، ضد الحوثيين فى اليمن، مع تأكيد الرئيس أن أمن منطقة الخليج العربى خط أحمر بالنسبة لمصر وجزء لا يتجزأ من أمنها القومى، حيث يرتبط أمن تلك المنطقة بشكل مباشر بالمصالح الحيوية المصرية، لا سيما فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب.[ThirdQuote]
وعلى الصعيد الأفريقى، فإن مؤشرات استعادة مصر هيبتها، بدأت مع مشاركة الرئيس فى القمة الأفريقية الـ23 فى غينيا الاستوائية، ثم القمة الأفريقية الـ24 فى إثيوبيا، أعقبها توقيع الرئيس على «وثيقة مبادئ سد النهضة» مع السودان وإثيوبيا، من أجل الحفاظ على حق الدول الثلاث فى نهر النيل، إضافة إلى زياراته المتكررة إلى السودان. أما على المستوى الدولى، فحافظت مصر على التوازن فى علاقاتها مع أمريكا، ووقعت القاهرة عدة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع أمريكا، التى وافقت على إمداد مصر بصفقة طائرات الأباتشى، واستطاعت مصر أن تحسن علاقاتها مع روسيا، فخلال العام الماضى زار «السيسى» روسيا مرتين؛ الأولى فى أغسطس 2014، والثانية فى مايو 2015 لمشاركته فى الاحتفال بعيد النصر الروسى، كما زار الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين مصر، أوائل فبراير الماضى، ووقعا اتفاقيات اقتصادية بين البلدين، كما تم الاتفاق مع فرنسا على صفقة طائرات الرافال، بجانب الاتفاقيات مع دول الاتحاد الأوروبى، والصين، ما جعل مصر تستعيد هيبتها «دولياً».