أسرار اغتيال "فرج فودة":الإرهابيون استندوا لفتوى أزهرية في قتل المفكر

أسرار اغتيال "فرج فودة":الإرهابيون استندوا لفتوى أزهرية في قتل المفكر
تدخل من رأس الدولة لم ينجح فى تضميد جراح أبرز مفكر تنويرى مصرى فى النصف الثانى من القرن العشرين، كما لم ينجح أيضاً فى مسح ماء وجه الدولة نفسها، التى كانت -ممثلة فى مؤسستها الدينية الرسمية الأزهر الشريف- شريكاً فى الجريمة، إذا لم تكن بالفعل والتحريض، فعلى الأقل بالصمت عن أصوات كثيرة تبارت فى إصدار فتاوى التكفير والردة واستباحة الدم، بعض أصحابها ممن يلبسون جلباب الأزهر وعمامته. عبدالغفار عزيز، الشيخ الأزهرى الذى تولى عمادة كلية الدعوة الإسلامية بالمنوفية وعمره 41 عاماً، كأصغر عميد لكلية أزهرية، كان أحد هؤلاء، حيث أصدر بياناً يكفر «فودة»، نشرته جريدة «النور» قبل الاغتيال بـ5 أيام فقط، ثم أصدر كتاباً بعد الحادثة، باسم «من قتل فرج فودة؟»، أورد فيه 4 اتهامات تفيد بردة المفكر، أولها رفض تطبيق الشريعة، حتى أنهى الكتاب بعبارة «فرج فودة هو من قتل فرج فودة».
«وائل»، نجل الشيخ عبدالغفار عزيز، يدافع عن والده حتى اليوم، ويشيد بموقفه، ويفتخر به باعتباره «أحد أعلام الأزهر والدعوة الإسلامية»، مشيراً إلى أنه برىء من اتهامه بالتحريض على قتل «فودة»، لأنه أصدر فتوى بالتكفير، شاركه فيها كثيرون الذين قالوا بكفره لكنهم لم يدعوا لقتله، منهم الشيخ محمد الغزالى، أحد كبار مشايخ الأزهر، الذى حصل على جائزة الدولة التقديرية فى العام السابق لواقعة الاغتيال، وقال فى متن الشهادة التى أدلى بها أمام المحكمة: «إنهم قتلوا شخصاً مباح الدم، وتجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم، لأنها وظيفة حاكم وليست وظيفة فرد»، اختتم الشيخ الأزهرى شهادته، وغادر المحكمة بنفس راضية، تاركاً من ورائه كلمات سجّلها التاريخ، وظلت إلى اليوم محل انتقاد واسع، ليست من جانب النخبة الثقافية والفكرية فحسب، الذين اعتبروا أنها «شهادة دفاع عن الإرهاب»، لكن من جانب بعض الأزهريين الذين يمثلون تياراً مختلفاً بين أبناء العمامة القرمزية، «نحن لسنا أوصياء للدين، ولسنا آلهة من دون الله، كى نصدر حكماً على فلان بأنه أصبح مستحقاً للقتل، هذا كلام مردود على صاحبه، ولا يجوز شرعاً أو قانوناً»، قال الدكتور سعد الدين هلالى، أستاذ الفقه المقارن بالأزهر، مؤكداً أنه لا جناح على من يعمل عقله، حتى وإن خالف جمهور العلماء: «د. فرج فودة كان صاحب رأى، ومثقف ومفكر، وتكفيره غير جائز، وقتله جريمة، والفكر لا يناقش إلا بالفكر، وليس بالسلاح».
فتاوى تكفير «فودة» التى أصدرها عدد من شيوخ الأزهر، و«بيان الردة» لجبهة علماء الأزهر، وفتوى «إباحة الدماء» لعمر عبدالرحمن، أمير تنظيم الجهاد، كانت كلها حاضرة بالزنزانة التى أقام فيها «عبدالشافى»، المتهم الأول، فى انتظار تنفيذ حكم الإعدام شنقاً الذى أصدره القاضى، الحكم الذى كان يعتبره «بائع السمك» الحاصل على دبلوم صنايع، بمثابة «الطريق للفردوس الأعلى»، بحسب نبيل نعيم، القيادى الجهادى السابق، الذى التقاه قبل إعدامه 1993: «قابلته قبل تنفيذ الحكم، وكان معترفاً ومؤمناً جداً بما فعله، ومقتنعاً أنه نصر الإسلام وأعز الدين، وقال لى: يا شيخ نبيل أنا قتلت كافر بإجماع أهل العلم، وحبل المشنقة هيكون طريقى للجنة».
«نعيم» أحد مؤسسى تنظيم الجهاد، الذى كانت تربطه علاقات بأطراف إسلامية مختلفة داخل وخارج مصر، قبل أن ينشق عن التنظيم، أوضح أن «عبدالشافى» وشريكه «أشرف» كانا ينتميان للجماعة الإسلامية، وقررا تنفيذ العملية بعد تكليف نقله إليهما المحامى «منصور»، من صفوت عبدالغنى، القيادى بالجماعة، الذى كان محبوساً على ذمة قضية أخرى، مضيفاً: «منصور نقل التكليف لعبدالشافى، وقال له: الشيخ صفوت بيقول لك مفيش حد يخلصنا من فرج فودة»، الرواية التى ذكرها «نعيم» هى الرواية نفسها التى ذكرها «عبدالشافى» فى اعترافاته أمام نيابة أمن الدولة عليا طوارئ، لكنها تختلف عن اعترافاته السابقة التى أدلى بها أمام نيابة شرق القاهرة فى التحقيق الأول من القضية، الأمر الذى استند إليه «منصور»، لنفى الرواية برمتها وإثبات براءته من تهمة نقل تكليف «الاغتيال»، النفى الذى اقتنع به القاضى، وأصدر حكمه ببراءة «منصور»، لكن طريقه إلى السجن ظل ممهداً بقرار اعتقال أصدرته أجهزة الأمن عقب القضية، حتى جرى إطلاق سراحه فى أكتوبر 2006.