كلما ظهر واحد من المبعوثين الأمميين ليحذّر من خطورة تدهور الأوضاع فى أى بلد عربى من البلدان التى ضربتها «الفوضى الأمريكية الخلاقة»، أيقنتُ تماماً أن شيئاً ما يحدث فى الخفاء، وأن نتائجه ستظهر للعلن خلال ساعات أو أيام. وها هو المبعوث الأممى إلى ليبيا، السيد برناردينو ليون، يسير على خطى المبعوث الأممى فى اليمن، وعلى خطى الأمريكى قائد التحالف الغربى فى العراق، فقد ظهر قبل 24 ساعة ليحدثنا عن أن تنظيم داعش الإرهابى يتمدد فى ليبيا، وعن أن هذا التمدد يمثل خطراً داهماً. وبعد ساعات قليلة من هذه النصائح التافهة التى لا نعرف لمن يتوجه بها، صحونا على كارثة جديدة، هى سقوط أكبر قاعدة جوية فى مدينة سرت الليبية تحت سيطرة داعش بعد الانسحاب المفاجئ لميليشيات جماعة الإخوان التى كانت تسيطر على هذه القاعدة منذ أكثر من عام ونصف. وإمعاناً فى التعمية والتضليل، وحتى لا نفيق أبداً من الغيبوبة، سارعت وكالات الأنباء الغربية إلى تغذية وكالاتنا العربية ومواقع الصحف الإلكترونية بأخبار كاذبة عن المحاولات المستميتة التى بذلها «إخوان» ليبيا للدفاع عن هذه القاعدة الجوية الخطيرة قبل تسليمها لميليشيات داعش!
قبل يومين من هذه الكارثة الجديدة نشرت جريدة «الوطن» حواراً شديد الأهمية مع وزير داخلية ليبيا، أدلى فيه بتصريحات وحقائق وأرقام فى منتهى الخطورة، تشير إلى أن ما يحدث فى ليبيا ليس أقل ولا أكثر من تجهيز جيش إرهابى ضخم لاقتحام مصر من حدودها الغربية.
وتلك عيّنة مما قاله وزير داخلية ليبيا، علينا أن نتأملها جيداً لنعرف طبيعة المعركة التى ينبغى أن نستعد لها، وأن نؤجل كل قضايانا الأخرى، مهما بلغت أهميتها، حتى ننتهى من مواجهة هذه الكارثة. قال الرجل: إن تنظيم داعش تزايد نفوذه فى ليبيا وإنه يحتشد بالأساس لبدء الهجوم على مصر وزعزعة استقرارها، وإن قطر وتركيا تدعمان هذا التنظيم بتقنيات عسكرية تفوق قدراتنا فى ليبيا، وإن لدينا 18 ألف هارب من السجن و30 مليون قطعة سلاح خارج سيطرة أى قوة نظامية.. وأخيراً: المقاتلون الأجانب الذين توافدوا على ليبيا من كل الأنحاء لا يمكن حصرهم!.
تلك هى المعطيات الجديدة التى حذرنا منها وأبلغنا بها المندوب الأممى ليغسل يديه من بحار الدم التى ستفيض أنهاراً فى المنطقة، وليواصل وجوده بيننا باعتباره شريكاً فى البحث عن خلاص من هذا السرطان الكارثى الذى ضرب المنطقة العربية، وحتى لا نفيق أبداً إلى حقيقة أن هذا المندوب الأممى يمثل حلفاً غربياً رفض بإصرار تزويد الجيش الليبى النظامى بأى سلاح، وسمح لهذه الميليشيات الجوالة الكافرة بالحصول على أحدث التقنيات العسكرية والاستيلاء على العتاد العسكرى الهائل للجيوش النظامية فى العراق وسوريا وليبيا.
وكما صحونا الأسبوع الماضى على سقوط «الرمادى» العراقية بسلاحها وثرواتها فى أيدى تنظيم داعش، وسقوط «تدمر» السورية بسلاحها وثرواتها فى أيدى داعش، ها نحن نستيقظ من كل تفاهات نخبتنا السياسية على سقوط أكبر قاعدة جوية فى أهم مدينة ليبية فى أيدى داعش، بعد أن ظلت لشهور طويلة تحت أيدى جماعة الإخوان وميليشياتهم المدعومة من قطر وتركيا وإسرائيل وأمريكا، وقد حدث هذا بالتزامن المريب والفاضح مع تفجير مسجد شيعى جديد فى منطقة الدمام بالسعودية، وبالتزامن المدروس والمخطط مع اصطفاف حركة 6 أبريل والإخوان وحركة جديدة تحت اسم «بداية» لبدء موجة أخرى من الإضرابات والمسيرات تبدأ فى 8 يونيو المقبل (ذكرى تولى السيسى رئاسة مصر)، وتتصاعد فى 11 يونيو وصولاً إلى إضراب شامل عن العمل أو العصيان المدنى فى 30 يونيو، يمهد الجبهة الداخلية أمام جحافل داعش الإرهابية.
السيناريو إذن شديد الوضوح: مصر هى الجائزة الكبرى فى مخطط تدمير المنطقة بالكامل وإعادة هيكلتها فى إمارات صغيرة متحاربة يدمر بعضها بعضاً، وننجز بأيدينا وبأموال دول الخليج ما لو فعلت إسرائيل جزءاً ضئيلاً منه لانقلبت عليها الدنيا.
والخلاصة: هل نفيق فى مصر ونتحد على قلب رجل واحد ونحتشد باقتصاد حرب، وإعلام حرب، قبل أن تدهمنا جحافل التوحش والخراب المدعومة من أمريكا وإسرائيل؟!.. أم نظل سادرين فى الغيبوبة حتى نصحو على خرابة جديدة تضاف إلى خرابات الوطن العربى المفخخ بالخيانات وانعدام الوعى؟!