رئيس بـ"الاستئناف": يجوز إجراء المحاكمة في حالة غياب المتهم بإرادته
تواصل «الوطن» عرضها للدراسة الموضوعية الحاسمة فى شروط قبول القاضى واستمراره، التى أعدها المستشار الدكتور خيرى الكباش الرئيس بمحكمة الاستئناف.
وقالت الدراسة من الثابت أنه يجوز اتخاذ إجراءات المحاكمة مع ضمانات معينة فى حالة غياب المتهم بإرادته. وفى إحدى القضايا لم يحضر المتهم فى المحكمة بعد فترة توقف خلال المحاكمة ولقد حكمت المحكمة العليا بأن المتهم الذى يحضر أثناء مراحل ما قبل المحاكمة حتى بدء المحاكمة ثم يغيب بإرادته فإن ذلك يعتبر نزولاً من جانبه عن الحق المطلق فى الحضور ويجوز للمحاكمة أن تستمر فى غيبته. وبدء اختيار هيئة المحلفين عن طريق بدء العملية الأولية للتحقيق من أهلية كل محلف يعتبر بدءاً للمحاكمة بالنسبة للمحاكمة عن طريق المحلفين. وتصبح المسألة أكثر صعوبة عندما يغيب المتهم بإرادته فى وقت معين قبل المحاكمة. والبحث الدستورى يدور حول ما إذا كان المتهم عالماً بأنه يجوز محاكمته غيابياً فإذا لم يكن عالماً بذلك فإنه يمكن الاحتجاج بأنه لم يكن عالماً بالنزول عن حقه فى أن يكون حاضراً فى المحاكمة أو مريداً إياه وفى مواجهة هذه المسألة سن بعض مشرعى الولايات نصوصاً تكفل إحاطة المتهمين علماً بالتزاماتهم فى الحضور للمحاكمة،
كما أكدت الدراسة على ضرورة الارتقاء بمهنة المحاماة، وذكرت أنه تواضع الناس من قديم على أن البلاغة صفة لازمة لمن شاء المرافعة أمام القضاء، ممثلاً للاتهام كان أو محلفاً، وأن على كليهما أن يتمرس على قوة المحاجاة وجدل الخصام ومنطق الإقناع؛ فالحجة السائقة إن احتواها حديث سقيم ضاعت قوتها وتبددت قيمتها، فإن ناصرها رائع البيان، وصاغها فصيح اللسان انقلبت سحراً وغدت دليلاً مفيداً.
فلا شك أن لغة المرافعة لغة حديثة وليست لغة كتابة، وهى لهذا الاعتبار تتطلب من المترافع أن يشد المستمع إليه بلسانه وصوته وإشاراته وحركته وسكونه وكياسته ومظنته وجرأته وشجاعته، وأن ينأى بنفسه عن التردد أو التلعثم أو التوقف حتى لا يبدو مضطرباً فى فكرته مختلاً فى حديثه. كذلك عليه أن يفطن إلى الدعوة فى مراحل سيرتها وأن يتتبعها فى ملتوياتها فيدقق فى سرعتها ويبتكر فى ثقة ويرتجل فى قوة، «على أن اعتبار لغة المرافعة لغة حديث لا يعنى بحال أن تتكلف فترهق الألفاظ، فإن جمال العبارة فى بساطتها ما دامت تؤدى المعنى المطلوب، فالمهم هو أن يكون الكلام ثوباً للمعانى المقصودة لا قصيراً ينكرها وتنكره، ولا طويلاً يتعثر فيها وتتعثر فيه».
إن احترام قواعد النحو والصرف أمر لازم للسان المترافع أمام القضاء. فالحديث وفق هذه القواعد يمكن أن يتحقق به الاقتناع لما يكتسبه من موسيقى وخفة وسرعة نفاذ، وذلك على خلاف الحديث بأسلوب غير سليم إذ يبدو -لما فيه من عوج لغوى- حديثاً مختلاً مضطرباً. على أن هذا لا يعنى أن نطرح اللغة العامة ظهرياً باستبعادها كلية من لغة المرافعات، فهى تلائم التعبير عن دعاية ساخرة تخفف من إجهاد الجلسات الطويلة وما قد يعتريها من ملل، واستخدامها فى هذا الغرض لا يكون إلا لفترة موقوتة بحيث لا تطغى على الحديث بالفصحى».
«وكذلك فإن للأحكام لغتها التى تتخذ من الوقار والسمو والهدوء طابعاً، ومن حسن اختيار اللفظ ودقة الأداء، والنأى عن التصنع أو التزيد أسلوباً ولئن أذن للاتهام أن يقسو فى مرافعته، للدفاع أن يستدر الرحمة، فإن القاضى -على العكس منهما- يقيس ألفاظه ومعانيه، فلا يجنح إلى العنف ولا ينقاد لجموح العاطفة، حتى يأتى حكمه عنواناً كاملاً للحقيقة، التى هى صلب الحياة وغيتها المترجاة».