بالفيديو والصور| الحاصل على "ذهبية جنيف": ابتكاري أفضل من "برايل"
لفترة طويلة جدًا لم يتمكن المكفوفون من القراءة والكتابة إلا عن طريق "برايل"، الطريقة الوحيدة التي يعرفونها وتواصلون مع محيطهم من خلالها، ما دفع أحد المخترعين لابتكار طريقة جديدة تدمجهم مع غيرهم من المبصرين في المجتمع، وذلك بعدما فاز الدكتور أيمن عزالدين بالميدالية الذهبية مع مرتبة الشرف من معرض جنيف الدولي بسويسرا للاختراعات لعام 2015.
"رشحتني أكاديمية البحث العلمي عشان أمثل مصر في معرض جنيف باختراعي".. كلمات بدأ بها الدكتور أيمن عزالدين، الأستاذ المساعد بكلية تربية موسيقية جامعة حلوان، حديثه عن خطواته على طريق الجائزة العالمية التي فاز فيها بالميدالية الذهبية مع تقدير لجنة الحكام.
"الاختراع عبارة عن طريقة جديدة يقدر الكفيف وضعيف البصر من خلالها يقرأوا ويكتبوا زي المبصرين بالضبط" كلمات شرح بها الدكتور عزالدين ابتكاره الجديد الذي حاز على تقدير لجنة الحكام بكامل هيئتها، مضيفًا أن الدولة تصنف المكفوفين من أبنائها على أنهم "معاقين" ولكنهم ليسوا كذلك فهم أقوى ذاكرة من المبصرين وذو درجة تركيز فائقة تجعلهم يتميزون فيها عن غيرهم.
يتمهل "عزالدين" قليلًا ليعاود حديثه قائلًا: "نفسي المكفوفين يندمجوا مع المبصرين وباقي فئات المجتمع بدون تمييز لحد على حساب الثاني"، ليضيف أن الطريقة الجديدة تمكن الكفيف من القراءة والكتابة عن طريق تدريب يتلقاه ويستطيع من خلاله تمييز الأحرف والكلمات حتى يصل من التدريب ما يؤهله لقراءة الصحف والخطوات الصغيرة دون استخدام لطريقة (برايل) أو غيرها، مع إدراك كامل للحرف وسرعة في القراءة والكتابة كالمبصر العادي دون تمييز".
طاولة كبيرة رصت عليها الجوائز التي حصدها الدكتور أيمن في القاعة الرئيسية لكلية التربية الموسيقية بالزمالك، يراها هو مجرد ورق وحبر، لا تعنيه بقدر ما يهمه أن يرى المكفوف كغيره من المبصرين يقرأ ويكتب ويتعلم دون تمييز، يتنهد قليلًا ليقول: "المشروع مش مربح بس هيستفيد منه المجتمع وهيأهل المكفوفين للعيش دون تهميش، وأنا نفسي صوتي يوصل للمسؤولين عشان يتبنوا الفكرة ويساعدوهم عشان يندمجوا مع باقي المجتمع".
سيدة وفتاة تجلسان في الجهة المقابلة للدكتور عزالدين تمسك كل منهما ورقة وقلم كأي مبصر، تعلمتا على يديه القراءة والكتابة كالمبصرين منتظرين امتحان الدكتور لهما حتى يبرهن على صدق مشروعه.
هدى محسن، إحدى السيدات الكفيفات العاملات بجامعة القاهرة، تعلمت الطريقة الحديثة للدكتور عز الدين منذ شهرين، استطاعت بعدها الكتابة والقراءة بطريقة طبيعية، تقول بعدما ارتسمت الابتسامة على شفتيها: "بقيت بقدر أذاكر للطفل الصغير واقدر أعرف الفلوس واتعامل لوحدي مع فواتير الكهرباء، وبقيت زي بقيه الناس في التعامل".
تضيف "محسن" بعدما شعرت بالسعادة تغمرها: "حسيت جوايا بفرق كبير وبقيت سعيدة أني اتعلمت الكتابة دي وبقيت زيي زي أي حد عادي"، توضح أن أنها كانت تختلف عن باقي إخوتها في المنزل بعدم قدرتها على القراءة والكتابة، إلا أنها وبعد تعلمها لتلك الطريقة استطاعت أن تكون أحد الأفراد الطبيعيين في أي أسرة.
"نفسي كل الناس تتعلمها والطريقة دي هتفيد الأطفال المكفوفين والأمهات الكفيفات وهتخليني مش محتاج مُعين معايا في التعاملات البنكية وهقدر أمضي زي أي حد".. كلمات قالتها "محسن" بعدما شعرت بتغير جذري في حياتها منذ اللحظة التي تعلمت فيها القراءة والكتابة بتلك الطريقة.
أطراف رقيقة تقرأ دون نظر ما تلمسه، تهرول الأنامل مسرعة للكشف عما تتحسسه، تعقل ما لمسته يداها أولًا حتى تقرأه بأناملها قبل عقلها، بطيئة في القراءة، ولكن مع تحقيق ما رأته إنجازًا بالكتابة والقراءة من خلال تلك الطريقة الجديدة جعلها تشعر بسعادة كبيرة.
شيماء مختار، إحدى الكفيفات، حصلت على ليسانس كلية الآداب للغة العربية بتقدير عام مقبول، تتحسس خطوات أناملها على الورقة التي أعطاها لها "عز الدين" لكي تقرأ ما بها، وعندما تفرغ من القراءة تنظر تجاه محدثها قائلة له "بمناسبة التقدير الاختراع ده هيساعدنا بعد كدة أننا نعرف تقديرنا الحقيقي، مشكلتنا الأساسية أن الكلية كانت بتجيب لينا مُعين في الكلية نمليه وهو يكتب، وكان خطه بيبقى مش مظبوط وكان بيأثر على تقديراتنا في الكلية".[FirstQuote]
معاناتها في الكلية لطول فترة الدراسة التي استمرت لـ10 سنوات بجانب خروجها على تقدير عام "مقبول" جعلها تكون أحرص المكفوفين على تعلم تلك الطريقة، فتقول: "بدأت مع دكتور عز الدين من فترة وقدرت أوصل إني أقرأ وأكتب، ولو فعلًا الطريقة دي اتفعلت مش هيبقى فيه فرق بين الكفيف والمبصر في المدارس أو في الحياة بصفة عامة".
يحلم "عزالدين" أن يرى مشروعه النور وذلك بعدما تتبناه إحدى مؤسسات الدولة وتعمل على تنميته ونشره، حتى يساعد مليون كفيف على الكتابة والقراءة كالمبصرين، ليوضح "دي حاجة مش هتكلف البلد حاجة بس لازم نبتدي ونعمل اصطف كبير من المدربين عشان نقدر في وقت قليل مساعده المصريين المكفوفين على القراءة والكتابة"، تلمع عينيه بعدما استمد طاقة إيجابية من تلميذاته ليؤكد "الموضوع ده لو اتعمل في مصر هيبقى ليها السبق على العالم كله لأنها قدرت تغير لغة المكفوفين بعد ما اتعودوا عليها 200 سنة وزي ما خرج من فرنسا طريقة برايل نفسي تخرج من مصر الطريقة دي، طريقتي أفضل من (برايل)".
بارقة الأمل دفعت "شيماء" لكتابة رسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي "سيدي الرئيس والأب الروحي لجميع المصريين، تحية طيبة وبعد، من قلوبنا نتحدث إليك فهذا ابتكار جديد يقدمه لك الباحث الأستاذ الدكتور أيمن عزالدين هدفه الدمج الحقيقي بين الكفيف وذوي العيون المبصرة"، وكتبت "هدى" رسالتها للرئيس قائلة له: "بسم الله الرحمن الرحيم.. رغم اهتماماتك الكثيرة إلا أنك تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة وبالدمج بيننا وبين الأسوياء، فهذه طريقة مبتكرة ووسيلة تساعد على الدمج، ولأنها غيرت الكثير في حياتي، أتمنى لكل من مثلي أن يتعلموها بمساعدتكم".