حادثتان لا بد من التوقف أمامهما والتفكير فيهما لنعرف موضع الخلل فنعالجه. الأولى واقعة رحاب جمعة، لاعبة كرة اليد المحترفة فى صفوف نادى «إيه سى إتش» الفرنسى التى تم فصلها من جامعة القاهرة لتخطيها نسب الغياب. وقال بيان للجامعة إنها لا تمثل مصر بشكل رسمى كى يمنحها فرصة أداء الامتحان. وهى الواقعة التى قامت الدنيا عليها فى أوساط الشباب فنددوا باللوائح التى لا تعرف قيمة الموهبة. وهو أمر ثبت لى عدم دقته لأن «رحاب» لم تقل غير نصف الحقيقة بينما النصف الآخر يتعلق بعدم إخطارها وزارة الشباب والرياضة بالأمر عبر خطاب رسمى موقع من النادى الذى احترفت فيه، لتتولى الوزارة التعامل مع الجامعة واستخراج تصريح لها بأيام الغياب. الأكثر أن وزارة الشباب اتصلت بـ«رحاب» منذ يومين وطلبت منها الحضور لتسوية الأزمة فأخبرتهم أنها فى بطولة ودية مع ناديها فى قطر ولن تحضر قبل نهاية الشهر.
أما الواقعة الثانية فكانت استقالة اتحاد طلبة هندسة عين شمس اعتراضاً على واقعة تباينت فيها روايتهم مع رواية وزارة الداخلية، وتتعلق بمقتل زميلهم طالب الفرقة الرابعة إسلام صلاح الدين عطيتو. فبينما تتهمه وزارة الداخلية بأنه قاد خلية لاغتيال العقيد وائل طاحون وسائقه فى أبريل الماضى واعتنق فكر الإخوان التكفيرى للمجتمع وأنه قُتل فى تبادل لإطلاق النار مع الشرطة أثناء مطاردته فى صحراء التجمع الخامس، يروى اتحاد طلبة عين شمس رواية أخرى تؤكد اقتياده من داخل لجنة الامتحان بالجامعه يوم 19 مايو الماضى لينتهى الأمر بقتله فى النهاية؟
واقعتان تثيران التساؤل حول شباب بلادى ومسئوليها لتمنحنا الإجابة بأن العيب فينا وفى تعاملنا مع الأمور باستهانة لا تتحملها مصر. فـ«رحاب» التى علقت على بيان جامعة القاهرة بفصلها فى صفحتها على الفيس بوك لم تذكر أنها لم تحضر الأوراق المطلوبة للوزارة للتعامل مع الأمر ليصدر لها قرار وزارى، تماماً كما هو الحال مع محمد صلاح نجم الكرة عند احترافه فى الخارج. كما لم يخرج مسئول فى التعليم العالى أو القضاء يعلن التحقيق فى واقعة «إسلام عطيتو» لإثبات أى الروايتين أدق، أكانت مطاردة أم اختطافاً والتحقيق فيما نُسب له؟!
ولأننى أؤمن بالتاريخ دوماً وألجأ له لاستشراف ما قد يأتى به الغد، دعونى أهدى للجميع فى بلادى -شباباً ومسئولين- قصة أحداث ثورة الشباب الفرنسى فى مايو 1968، تلك الثورة التى قادها شعور واهم بكبت الحريات والإحباط والغضب والرغبة فى التحرر من كل القيود لدى الشباب مع اتهامهم الدولة بالعجز عن إصلاح المجتمع. كان الشباب مشحونين بالأفكار، وكانت الدولة مشغولة بإزالة آثار دمار الحرب العالمية الثانية وترى فى الأمن القومى ودفع عجلة الاقتصاد أولويات المرحلة. ولكن جاءت ثورة الشباب غاضبة مدمرة إلى الحد الذى أجبرت فيه الجنرال شارل ديجول، بكل إنجازاته، على مغادرة فرنسا لعدة أيام وانتهت بتقويض أرجاء الجمهورية الخامسة. كانت ثورة تحمل غضباً ولم تحمل رؤية، فخبت لأن الغضب الموتور لا يمنح التغيير بقدر ما يهب التدمير.
يمنحنا التاريخ دروسه بالمجان للاستفادة بها، لكن من يجهلونه يتجهون لتكرار الأخطاء التى سجلها. وفى ثورة شباب فرنسا درس علينا إعادة قراءته لاستعادة شباب لم نمنحه تعليماً ولا قدوة ولا ثقافة ولا إعلاماً ولا نخبة طيلة 40 عاماً، ونطالبه اليوم بعكس ما يراه. نطالبه بالانتماء بينما يرى نخبة عمياء البصيرة تتلون حسب المصالح والأهواء. نطالبه بالأمل وترك اليأس لأنه مالك اليوم والغد بينما يرى الماضى جاثماً على الحاضر والمستقبل مانعاً التغيير الذى قد يؤثر على مصالحه. نطالبه بالقيم والأخلاق بينما يرى رأسمالية فجة لا تخضع لقوانين تضغط على الدولة. نطالبه باحترام الدولة ومؤسساتها وهيبتها بينما يرى بعضاً من المسئولين فى الدولة يتجاهلون كل ما تطالبه به الدولة دون أن يجدوا عقاباً رادعاً لفعلهم. فهل نقترب لفك اللغم قبل انفجاره فى وجوهنا إرهاباً أو إدماناً أو عدم انتماء؟ هل نقترب لمنحهم الأمان الحقيقى والتفهم الواعى للعبور بهم وبمصر لبر الأمان؟
أرجو أن أجد إجابة.