جانب كبير من أسباب كل المآسى والفواجع التى تزلزل الأرض تحت أقدامنا يكمن فى كثير من هؤلاء الأدعياء الذين يظهرون فى الصحف والفضائيات بوصفهم خبراء، ويقولون كلاماً تافهاً يزيد الأوضاع تعقيداً وضلالاً. ولعل هؤلاء الأدعياء، هم السبب الرئيسى فى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع كل البشر فى المنطقة العربية -حكاماً ومحكومين- باعتبارهم بلهاء ومعتوهين، تستطيع أن تفعل بهم ما تريد، وأن تسلب منهم أموالهم وتنفق جانباً منها فى تسليح الميليشيات الكافرة حتى تقوم بالتدمير النهائى لكل مقومات الاستقرار والتحضر فى الدول العربية.
وأى إنسان لديه ذرة من القدرة على ربط الأحداث ببعضها ليس فى حاجة إلى أى أدلة إضافية ليعرف أن أمريكا تقودنا معصوبى العيون إلى خراب مفجع. فخلال أسبوع واحد خرج المتحدث الرسمى لوزارة الدفاع الأمريكية ليعلن للعالم كله أن القوات العراقية النظامية، المدعومة أمريكياً، انسحبت فجأة من منطقة الرمادى فى غرب العراق وتركت خلفها ترسانة أسلحة متطورة هائلة الحجم، استولى عليها تنظيم «داعش».. وفى تفسيره الذى سوّقه للبلهاء والمعتوهين الذين يمولون الحرب على «داعش»، قال المتحدث الأمريكى إن عاصفة ترابية قطعت الاتصال بين قوات التحالف التى يقودها الجنرال الأمريكى جيمس تيرى، وبين القوات العراقية، وهو ما أدى إلى اعتقاد خاطئ لدى الأخيرة بأن قوات التحالف لن تتمكن من دعمها، فانسحبت من الرمادى وتركت خلفها كل العتاد العسكرى الحديث ليسقط فى أيدى قوات «داعش».
بعد يومين فقط من هذه التمثيلية المضحكة، صحونا على المشهد التالى من سيناريو أمريكا لتدمير المنطقة بأموال خليجية: قوات «داعش» التى غنمت الأسلحة الحديثة من الرمادى العراقية، اتجهت إلى شرق سوريا واستولت تماماً على مدينة «تدمر» الغنية بأهم معالم التراث الإنسانى، والغنية بالثروات النفطية والتعدينية، والأهم أنها تضم العديد من مراكز وحصون الجيش السورى النظامى.. ولأن طائرات الجنرال الأمريكى لا تستهدف بالأساس فى هذه المنطقة غير جيش بشار الأسد، فلم يتمكن هذا الجيش من سحب أو تدمير آلياته ومعداته العسكرية وتركها أيضاً غنيمة فى أيدى قوات «داعش».
وخلال اليومين الماضيين كانت الآلة الإعلامية الأمريكية تدغدغ مشاعر حكام وأمراء الخليج بالحديث والتحليلات المكثفة عن بدء العد التنازلى لسقوط نظام بشار الأسد، ولأن هذا السقوط يمثل لهؤلاء الحكام أملاً كبيراً لا يعلم إلا الله سببه، فقد غشى الشيطان الأمريكى بصائر هؤلاء الخليجيين عن خطورة تمدد الوحش الداعشى الكافر والمتوحش فى مساحة ضخمة وشديدة الثراء من خريطة العراق وسوريا معاً، وفى أقل من أسبوع!. وخشية أن ينتبه أحد هؤلاء الخليجيين إلى اقتراب أجل مملكته تحت مطارق التوحش الأمريكى الصهيونى الذى يرعى ويمول «داعش» من أموال الخليجيين، فاجأتنا الأنباء أمس بفاجعة تفجير انتحارى -هو الأول من نوعه- داخل مسجد شيعى فى محافظة القطيف السعودية، أثناء الركعة الأولى من صلاة الجمعة، أسفر عن مقتل 22 وإصابة 100 شيعى سعودى بعضهم فى حالة شديدة الخطورة، وهو الحادث الذى ينقل الحرب الطائفية إلى قلب هذه المملكة، ويضع بلداً جديداً من البلدان العربية المهمة فى مستنقع الخراب الذى تديره أمريكا وتنفق عليه من أموال هذه المملكة ذاتها!. العجيب فى أمر هذا التطور المخيف، والواضح جداً، هو أن كتيبة الخبراء التافهين سارعت إلى اتهام إيران بتدبير هذا الحادث فى السعودية لكى تغرقها فى الفوضى.. وبعد ساعات قليلة من عزف نشيد «إيران هى المسئولة عن قتل الشيعة داخل مسجد، خرجت «داعش» ببيان أعلنت فيه مسئوليتها عن تفجير المسجد الشيعى فى السعودية.
أىّ بلاهة تلك التى أصابتنا بالعماء المطبق.. وصرفتنا تماماً عن تحديد المصدر الوحيد لكل هذا الخراب فى بلداننا؟ وأى جنون هذا الذى يدفعنا يوماً بعد آخر إلى دفع معظم أموال نفط الشعوب العربية للقرصان الأمريكى الصهيونى لكى يدمرنا بها، ونحن عنه غافلون، وسادرون فى اجترار آراء الخبراء التافهين عن أن إيران هى مصدر الخطر، وتدمير بشار الأسد وجيشه وبلده هو غاية المراد من الوحش الأمريكى الذى لن يشبع قبل أن تتمزق كل دول الخليج وفى القلب منها السعودية ذاتها.