«الوطن» تواصل نشر أخطر فصول كتاب نائب مدير «CIA»
فى الحلقة الثانية من كتاب «الحرب الكبرى فى زماننا.. حرب المخابرات المركزية الأمريكية ضد الإرهاب من القاعدة إلى داعش»، الذى صدر الأسبوع الماضى فى الأسواق الأمريكية، يواصل نائب مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق «مايكل موريل» كشف المزيد من الأسرار عن عمليات المخابرات الأمريكية، والتهديدات التى واجهتها مصالح واشنطن فى الفترة التى جاءت بعد أحداث 2011، التى يصفها بأنها كانت أقرب إلى عودة الروح للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، بشكل ما زال العالم كله يدفع ثمنه فيما بعد. يركز «مايكل موريل» فى شهادته على واحد من أكثر الأحداث دموية وغموضاً وصدمة للأوساط الأمريكية فى تلك الفترة، وهو حادث اغتيال السفير الأمريكى فى بنغازى «كريس ستيفنز»، إثر هجوم جماعة من المتطرفين الإسلاميين على مقر القنصلية هناك، وهو الحادث الذى أثار جدلاً حامياً فى الدوائر السياسية فى واشنطن، وصل إلى حد توجيه أصابع الاتهام لكبار الرءوس فى إدارة «أوباما»، وفى مقدمتهم وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلارى كلينتون»، بالتقصير فى حماية السفير، أو بالتواطؤ لإخفاء حقيقة ما جرى، خاصة مع الاتهامات التى واجهتها الإدارة الأمريكية بتهريب أسلحة من ليبيا إلى متطرفين إسلاميين فى المعارضة السورية، ودور السفير «ستيفنز» فى هذا الأمر.
هى فترة، يعترف فيها «موريل» أن الأمور فى ليبيا كانت خارجة عن السيطرة، وكان الانفلات الأمنى فيها يهدد حدود الدول المجاورة لها مثل مصر، مع غياب مؤسسات الدولة الليبية بشكل كامل بعد سقوط «القذافى». إلا أن «موريل» يكشف فى الوقت نفسه، عن وجود قاعدة للمخابرات المركزية الأمريكية فى شرق ليبيا، كانت تعمل من هناك لمتابعة أنشطة الإرهابيين الذين تعتبرهم «الأشد خطورة» هناك. وهم نفس الإرهابيين الذين يواصلون تهديد الحدود المصرية اليوم.
ينظر «مايكل موريل» إلى ليبيا على أنها الدليل الصارخ على أن ما عرف باسم «الربيع العربى» كان فى واقع الأمر أكبر تمكين للجماعات الإرهابية المتطرفة فى الشرق الأوسط، امتداداً إلى قلب أفريقيا ودول الساحل. وهو يرى أن ليبيا مثال للدولة التى انهارت فيها المؤسسات وأجهزة الدولة الأمنية مثل الجيش والشرطة والمخابرات، بحيث أصبحت عاجزة عن مواجهة الميليشيات المسلحة فيها حتى لو كانت راغبة فى ذلك، فى الوقت الذى كانت فيه مصر فى عهد «مرسى» تمثل الدولة التى تملك أجهزة قادرة على مكافحة الإرهاب، لكن قيادتها السياسية غير راغبة فى ذلك، لتصبح النتيجة من وجهة نظره فى الدولتين، متشابهة: عجز لأجهزة الدولة، فى مقابل توغل الإرهاب.
يبدأ «مايكل موريل» شهادته عما حدث فى ليبيا باستعراض الموقف بعد سقوط «معمر القذافى» من وجهة النظر الأمريكية. يقول: «كان رحيل معمر القذافى عن الساحة الليبية فى 2011 أمراً جيداً حال دون إراقة أنهار من الدماء الليبية فى الشوارع على يديه. إلا أن ما ظهر بعد ذلك كان دولة فاشلة أتاحت مجالاً واسعاً لازدهار الجماعات المتطرفة، إلى الحد الذى أصبح فيه السؤال الحقيقى هنا هو: هل أصبح الليبيون أفضل حالاً بعد ثورتهم عما كانوا عليه من قبل؟. لست واثقاً من ذلك. ما جرى فى ليبيا كان دفعة قوية لتنظيم القاعدة على امتداد شمال أفريقيا ومالى وموريتانيا والنيجر. كانت الحكومات التى توالت عقب سقوط القذافى عاجزة عن إحكام قبضتها على الحكم، وسيطرت الميليشيات ذات المرجعيات المتطرفة المختلفة على أجزاء واسعة من البلاد، فى الوقت الذى انتشرت فيه أسلحة القذافى فى طول البلاد وعرضها، وتسربت إلى الدول المجاورة للحدود الليبية التى لا توجد عليها إلا سيطرة ضعيفة أو منعدمة تماماً».[FirstQuote]
ويتابع «موريل» رصده للموقف الأمنى فى تلك المنطقة الحرجة من العالم قائلاً: «هكذا، تدهور الموقف الأمنى فى ليبيا منذ بداية ربيع 2012، خاصة فى الجزء الشرقى من البلاد، وراح خطر التطرف يزداد شراسة فى هذه المنطقة. وكتب محللو المخابرات المركزية الأمريكية عشرات التقارير التى تصف بالتفصيل كيف يزداد الموقف فى ليبيا خطورة يوماً بعد يوم.، إلى حد أن وصفه تقرير فى يوليو 2012 بأن ليبيا هى معقل القاعدة الذى يتم إقامته الآن».
وينتقل «موريل» إلى الحديث عن قاعدة المخابرات المركزية الأمريكية فى شرق ليبيا، والدور الذى كانت تلعبه هناك، يقول: «فى الظروف العادية، لم يكن من الممكن لى أن أؤكد وجود قاعدة للمخابرات المركزية الأمريكية وراء البحار، دعك طبعاً من وصف وظيفتها ومهامها فى تلك المنطقة، لكن، نظراً للأحداث المأساوية التى جرت فى بنغازى فى 11 سبتمبر 2011، التى أدت إلى مصرع السفير الأمريكى هناك روبرت ستيفنز، وما جرى بعدها من جدل وخلافات، صار دور المخابرات الأمريكية هناك أمراً معترفاً به، الأمر الذى يتيح لى الكشف عن تفاصيله هنا».
ويتابع: «كانت مدينة بنغازى ذات أهمية حيوية وخاصة فى ليبيا، ظلت هذه المدينة معقلاً للمعارضة ضد نظام القذافى لسنوات طويلة، وبعدها أصبحت مركزاً تستخدمه الولايات المتحدة لفهم تطورات الأحداث فى ليبيا خلال ثورة 2011، ولمعرفة تأثير الوجوه الرئيسية فى شرق ليبيا بعد سقوط العقيد. أصبح للمخابرات المركزية الأمريكية وجود هناك، بوحدة مهمتها جمع المعلومات الاستخباراتية فى شرق ليبيا، بما فيها معلومات عن الإرهابيين الموجودين هناك، خاصة أن تلك المدينة كانت بيئة حاضنة للتطرف، وكذلك للعديد من الوجوه الليبية المؤثرة ضمن قيادات تنظيم القاعدة».
ويحاول «موريل» تبرئة قاعدة عمليات المخابرات الأمريكية فى شرق ليبيا من تهمة تهريب أسلحة للمعارضة الإسلامية المتطرفة فى سوريا، كما ألمحت بعض التقارير الأمريكية، قائلاً: «قامت قاعدة المخابرات المركزية الأمريكية بمهمتها جيداً فى بنغازى، وإن كانت على خلاف ما ألمحت إليه بعض التقارير الصحفية الأمريكية، لم تلعب دوراً فى نقل وتحويل الأسلحة من ليبيا إلى المعارضة السورية، هذا أمر لم يتورط فيه أى ضابط أو منشأة أمريكية فى ليبيا على الإطلاق».
ويواصل: كانت المنشأة التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية فى بنغازى يتم تصنيفها خطأ على أنها قنصلية أمريكية، لكنها كانت فى الواقع، منشأة تضم بعثة مؤقتة، أى أنه وجود لا يضم مسئولين كباراً، ولم يحظ بأى توصيف رسمى من الحكومة الليبية. كان مقر تلك البعثة يمتد على مساحة واسعة من الأراضى التى تشمل عدة مبانٍ، ولأن المبنى الذى كانت قاعدة المخابرات المركزية تقع فيه كان منفصلاً عن مقر البعثة المؤقتة، أصبحنا نطلق عليه مجازاً وصف «الملحق».
«فى الشهور التى سبقت هجمات 11 سبتمبر 2011، كانت هناك عدة هجمات تم توجيهها للمصالح الأمريكية فى بنغازى، وعلى الرغم من أننا قدمنا توصيات أكثر من مرة فى المخابرات المركزية لزيادة ودعم الوجود الأمنى حول مقر البعثة المؤقتة فى بنغازى، فإننا لم ندرك إلا متأخراً جداً، بعد الأحداث المأساوية فى 2011، أن التعزيزات الأمنية حول مقر البعثة فى بنغازى كان محدوداً للغاية. ولم نفهم أبداً السبب وراء ذلك، ولا السبب فى عدم توفير حماية كافية للسفير الأمريكى فى ليبيا «كريس ستيفنز» بواسطة أمن الخارجية الأمريكية، ولا حتى السبب الذى جعلهم يسمحون له بالسفر إلى ليبيا فى ذكرى هجمات سبتمبر، ولا حتى لماذا تركوه يقضى الليل فى بنغازى فى ذلك اليوم. أى محادثات تلك التى دارت بين «ستيفنز» وطاقمه الأمنى عندما قرر السفير أن يذهب إلى بنغازى فى 11 سبتمبر 2012، لقد كان من المستحيل بالنسبة لى، وأنا نائب لمدير المخابرات المركزية أن أقضى الليل فى طرابلس نظراً لخطورة الموقف الأمنى، وقرر رئيس الطاقم الأمنى المصاحب لى أن يحضر ما يشبه جيشاً صغيراً إلى ليبيا لحمايتى هناك».[SecondQuote]
ويواصل: «ومع قرب ذكرى هجمات 11 سبتمبر، والتباس وتعقد الموقف الأمنى فى معظم دول العالم العربى، أرسلت المخابرات المركزية فى بداية سبتمبر لكل قواعدها ومحطاتها حول العالم برقية تحذر من احتمال وقوع هجمات ضدها، وهى برقيات وتحذيرات نرسلها بشكل روتينى مع اقتراب ذكرى الهجمات لرفع درجة التأهب الأمنى فى المصالح الأمريكية لا أكثر. أرسلنا أيضاً برقية تحذير لسفارتنا فى القاهرة لأننا تلقينا معلومات استخباراتية محددة استناداً إلى شبكات التواصل الاجتماعى، تشير إلى أنه من المحتمل أن تكون هناك احتجاجات عنيفة هناك رداً على فيلم غامض تم إنتاجه فى الولايات المتحدة يعتقد كثير من المسلمين أنه يمثل إهانة للرسول. كانت الرسائل المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعى تشجع المتظاهرين على التوجه لمقر سفارتنا فى القاهرة وعلى قتل الأمريكان. وظهر فيما بعد أن سفارتنا فى القاهرة تلقت نفس المعلومات بشكل منفصل، واتخذت احتياطاتها ضد ذلك بالفعل».
ويواصل «موريل»: «لم تكن السفيرة الأمريكية فى القاهرة آن باترسون فى السفارة فى ذلك الوقت، وكذلك معظم طاقمها من العاملين فيها، فى اليوم الذى اقتحم فيه مجموعة من المتظاهرين أسوار السفارة، ومزقوا الأعلام الأمريكية، ورفعوا أعلاماً سوداء تحمل شعارات إسلامية. وسرعان ما قامت قوات الأمن المصرية بإعادة النظام، على الرغم من أن أنباء ما نجح المتظاهرون فى تحقيقه فى القاهرة، قد انتشر سريعاً عبر وسائل الإعلام العربية، حتى بنغازى».
ويربط «موريل» بين الهجوم على السفارة الأمريكية فى القاهرة، وما جرى من هجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى قائلاً: «فى 11 سبتمبر 2012، كنت فى عمان وسط عدة اجتماعات استخباراتية مع نظرائى فى المنطقة، واطلعت فى بداية اليوم على التقارير حول الأحداث فى القاهرة، التى انتهت دون خسائر أو إصابات. تناولت العشاء مع رئيس المخابرات العسكرية والمخابرات الأردنية، ثم أخلدت إلى النوم، وصحوت على طرقات أحد مساعدينى يخبرنى أن هناك هجوماً مماثلاً قد وقع على منشأة أخرى تابعة للخارجية الأمريكية، فى بنغازى، وأن أحد ضباط أمن الخارجية قد لقى مصرعه، فى الوقت الذى لا يعرف فيه أحد مكان السفير. قالوا لى أيضاً إن باقى الموجودين فى مقر البعثة المؤقتة قد تم نقلهم إلى مقر قاعدة المخابرات المركزية فى بنغازى، ويعتقد أنهم سالمون، بينما يقوم رئيس محطة المخابرات المركزية فى طرابلس بإرسال ضباط أمن كتعزيزات من طرابلس إلى بنغازى لحماية مقر البعثة».
ويواصل «موريل»: «فى الصباح كانت هناك طرقات أخرى على باب غرفتى، أبلغنى فيها المساعدون أن قاعدة المخابرات المركزية قد أصبحت بدورها تحت وطأة هجوم عنيف، جلست على جهاز كمبيوتر مؤمن للاتصال بأعلى الشبكات سرية فى المخابرات المركزية لمتابعة الموقف. نحن فى المخابرات المركزية نقوم باستخدام برنامج خاص للرسائل النصية المباشرة يحمل اسم «سيم تايم» (نفس الوقت)، ونعتمد عليه للتواصل السريع غير الرسمى بين العاملين فى إدارتنا على امتداد العالم كله. أرسلت رسالة فورية عبر البرنامج لرئيس محطة الوكالة فى طرابلس أسأله فيها عن آخر التطورات وعما إذا كان من الممكن مساعدته بأى شكل».
ويواصل: «من خلال تبادل الرسائل على برنامج «سيم تايم»، حكى لى رئيس محطتنا فى طرابلس عما يعرفه حول الهجوم على «ملحق» المخابرات فى بنغازى، قال لى إن أربعة أمريكيين قتلوا فى الهجوم، بمن فيهم السفير «روبرت ستيفنز» الذى لفظ أنفاسه الأخيرة فى مستشفى ببنغازى، ذلك الرجل الذى كان أسطورة فى الأوساط الدبلوماسية نظراً لقدرته على فهم الثقافة العربية وقدرته على أن يعمل فيها بكفاءة. وعلى امتداد ساعتين من الرسائل المتبادلة، فهمت من رئيس المحطة أنه ينوى سحب رجاله من بنغازى وأنه يسعى لإيجاد وسيلة لإعادتهم مع طاقم الخارجية الأمريكية إلى طرابلس. سألته عما إذا كان بحاجة لأى شىء، فقال لى إن لديه كل ما يحتاجه حالياً، وأبلغته أننى متجه لمقر سفارتنا فى عمان لو أراد متابعة الموقف معى من هناك».
ويتابع «موريل» رواية ما جرى فى بنغازى من موقعه كنائب لمدير المخابرات الأمريكية فى تلك الفترة، وهى رواية لا تخلو من محاولات تبرئة الـ«سى آى إيه» من تهمة التقصير أو الفشل فى الكشف عن ملابسات ما جرى، أو التحذير من احتمال وقوع عمل إرهابى ضد البعثة الدبلوماسية الأمريكية هناك، ويقول: «هناك عدة روايات حول ما حدث فى الساعات الأخيرة من الليل وساعات الصباح الأولى من هجوم بنغازى، بعض المعلومات المغلوطة التى يتداولها الناس هى تصورهم أنه كان هجوماً واحداً استمر لأربع ساعات. البعض الآخر يتصور أن الهجمات كانت منظمة وتم الإعداد والتخطيط لها لأسابيع أو حتى أشهر قبلها. الواقع، وما حدث فعلاً، أنه كانت هناك ثلاث هجمات منفصلة فى تلك الليلة، كلها تمت على يد متطرفين إسلاميين، بعضهم له علاقة بتنظيم القاعدة، وكل هجوم كان أشد قوة من سابقه، وكلها تستحق بجدارة وصف هجمات إرهابية، أياً كانت درجة العنف فيها».
ويواصل: الهجوم الأول تم على مقر البعثة الدبلوماسية المؤقتة فى بنغازى، كنا نعرف من خلال متابعة وسائل التواصل الاجتماعى واتصالات أخرى غيرها أن المظاهرات ضد سفارتنا فى القاهرة اندلعت بسبب الفيديو المتداول على موقع «يوتيوب» ويظهر النبى محمد بصورة سلبية، كنا نرى أنه على امتداد 600 ميل فى بنغازى، سمع المتطرفون الإسلاميون أنباء الهجوم الناجح على سفارتنا فى مصر، وقرروا أنهم قادرون على إثارة متاعب مماثلة من ناحيتهم، على الرغم من أننا لا نعرف كل دوافعهم على وجه الدقة. أغلب الظن أنهم شعروا أنهم قادرون على أن يكرروا فى «بنغازى» نفس ما فعله «إخوانهم» فى القاهرة.[ThirdQuote]
ويتابع «موريل»: «البعض قال إن الفيديو المسىء للرسول على «يوتيوب» كان هو الدافع وراء الهجوم على سفارتنا فى بنغازى، وإن كان المحللون فى المخابرات المركزية يقولون إن ذلك الفيديو لا علاقة له بالهجوم، وأعتقد أن الهجمات التى شنها المتطرفون الإسلاميون لم يكن مخططاً لها ولا منظمة بشكل جيد، بدا أنهم عصابة جاءوا لمقر البعثة المؤقتة محاولين اقتحامها ويرون بعدها ما هى الخسائر التى يمكنهم أن يتسببوا فيها، كان ذلك هو التفسير الذى توصلت إليه على الأقل من خلال متابعتى لأشرطة المراقبة التى سجلتها الكاميرات الموجودة على مقر البعثة الدبلوماسية والملحق التابع لها. تكشف هذه الأشرطة عن أنه لا توجد دلائل تقريباً على أن هجوم بنغازى كان مخططاً له بشكل جيد، لا توجد علامات على السيطرة ولا على التنظيم، لا يوجد تنسيق بين المهاجمين، ولا وجود حتى لأبسط القواعد التكتيكية العسكرية فى الهجوم. بعض المهاجمين كانوا يحملون أسلحة خفيفة، وبعضهم لم يكن مسلحاً على الإطلاق. بعضهم راح يجرى من ركن لآخر فى أرض القنصلية على غير هدى، كأنه لا يصدق أصلاً أنه نجح فى اقتحام أسوارها، لم يبد أنهم يبحثون عن الأمريكان لإيذائهم، بعضهم اقتحم بوابات السفارة وخرجوا مسرعين حاملين ما يقدرون على نهبه، كانوا يشعلون النيران لكن لم يبدُ أنهم يستهدفون أحداً. كان هجوماً من عصابات تضم متطرفين إسلاميين، على الرغم من نتائجه المأساوية».
ويضيف: «بعد مشاهدتى لذلك الفيديو والمعلومات التى يكشفها، كنت أقف فى صف إظهاره للعلن، حتى يفهم الأمريكان طبيعة وحقيقة الهجوم الذى جرى، ولا أعلم حتى هذه اللحظة لماذا لم يكشف البيت الأبيض هذه المعلومات للعلن، على الرغم من المطالبات المتكررة لأجهزة الأمن القومى له بذلك، ولم يتم الكشف عن هذه الأشرطة حتى هذه اللحظة».
ويروى «موريل» وقائع مصرع السفير الأمريكى كريس ستيفنز قائلاً: «كان السفير ستيفنز فى المبنى الرئيسى الذى أشعل فيه المتظاهرون النيران، وتسبب الدخان الأسود الخانق الذى تصاعد سريعاً حول المبنى فى اختناقه، ولا يوجد أى دليل على أن المتظاهرين كانوا يستهدفونه لا هو ولا أى من المسئولين فى السفارة عندما أشعلوا النيران فى أى من المبانى الأمريكية فى تلك الليلة. وبعد ثلاث ساعات ونصف من بدء الهجوم على مقر البعثة المؤقتة، وصلت التعزيزات إلى بنغازى فى صورة ضباط من الجيش والمخابرات المركزية الأمريكية الذين نجحوا فى إرسال طائرة من طرابلس إلى بنغازى لمساعدة زملائهم. اتخذوا مواقعهم للتأمين والحماية فوق سطح «الملحق»، لم يكن لديهم وقت ليضيعوه، فقد كان الهجوم الثالث فى تلك الليلة على وشك البدء، كان ذلك هو الهجوم الأكثر احترافاً ضمن سلسلة الهجمات».
ويصل «موريل» فى ختام شهادته عما جرى فى بنغازى فى 2011 قائلاً: «أغلب الظن لدى أن المتطرفين قد أعادوا تجميع أنفسهم بعد أن تم إبعادهم عن الملحق الذى تقع فيه وحدة المخابرات المركزية، وجاءتهم إمدادات ممثلة فى مزيد من المقاتلين وبعض الأسلحة الثقيلة التى كان من ضمنها خمسة مدافع لقذائف الهاون. تسببت ثلاثة منها فى إصابات مباشرة للمبنى الرئيسى.
لماذا خمسة مدافع لا أكثر؟ السبب بالنسبة لى واضح، هو أنهم لم يكونوا يملكون سواها فى ذلك الوقت. لو أن ذلك الهجوم كان معداً له مسبقاً، لوجد المهاجمون وقتاً كافياً للتخطيط والاستعداد، ولكان تسليحهم أفضل من ذلك بكثير، ما داموا كانوا يعدون العدة للهجوم على مقر البعثة الدبلوماسية المؤقتة، وكذلك على قاعدة المخابرات المركزية الأمريكية فى بنغازى».