لم تعرف مدن سيناء وقراها وتجمعاتها السكانية الصغيرة المعنى الحقيقى لقاعات الدراسة وفصول المدارس حتى أربعينات القرن الماضى، ولم تشهد امتحانات أى شهادة على أرضها، لكن «الكتاتيب» كانت موجودة تعلم وتحفظ القرآن إلى جوار بعض الفصول الدراسية للمرحلة الابتدائية، التى تستوجب سفر الطلاب رفقة مديرهم ومعلمهم لأداء امتحان الشهادة فى مدينة الزقازيق أو بورسعيد، وبحسب روايات الكبار عين أصحاب الكتاتيب معلمين بغض النظر عن مؤهلاتهم الدراسية، وهم الجيل المؤسس للحركة التعليمية فى سيناء، بعضهم علم والدى وتتلمذت على يديه، ذات الجيل نتج عنه قامات علمية تحدت الظروف وأثبتت نفسها فى مصر وبعض الدول الأوروبية، وتلك قائمة يطول الحديث عنها.
استمر الأمر على حاله «لم تكن هناك مرحلة الإعدادية» إلى أن بدأت الدراسة الثانوية ومدرسة الصناعات ومعهد المعلمين، الذى تخرج فيه أعداد لم تكن كافية لسداد العجز فى المعلمين، مع بداية الستينات وبالتحديد 1961بدأ مشروع التعليم الشامل لأبناء سيناء، بهدف توفير التعليم والإعاشة والذى يمثل طفرة غير مسبوقة فى تاريخ التعليم، رافقتها أنشطة رياضية وثقافية صنعت الفارق، لكن نكسة 67 واحتلال سيناء أوقفت الحياة وجمدت مسيرة التعليم.
كان على الطلاب الراغبين فى مواصلة التعليم الجامعى السفر عبر قوافل «الصليب الأحمر» للدراسة فى جامعات مصر المختلفة، فى ظل ظروف معيشية غاية فى الصعوبة، وهو ما أسهم فى تغيير شكل الحياة مع تزايد أعداد خريجى الجامعات من مختلف التخصصات وعودتهم للعمل كمعلمين وأطباء ومهندسين، وإن كانت بأعداد محدودة لا تفى بحاجة المجتمع.
فور اكتمال التحرير أنشئت كلية التربية بالعريش تابعة لجامعة قناة السويس، وتم افتتاحها فى العام الدراسى 1982، التى كانت نقطة البداية والانطلاقة التى أتاحت لعدد كبير من الطلاب الفرصة للالتحاق بالتعليم الجامعى متحررة من الاغتراب والأعباء التى حالت بين أجيال عديدة وبين استكمال مسيرة التعلم.
ولا يمكن المرور سريعاً وإغفال دور جامعة سيناء الخاصة التى أنشئت فى العام 2006، ونجحت فى ربط الآلاف من المصريين وغيرهم من العرب بسيناء من خلال كلياتها، بخلاف الدور المجتمعى الكبير طوال سنوات كانت هى الجامعة الوحيدة على أرض شبه الجزيرة.
اختلف الأمر فى منظور الدولة المصرية مع انطلاقة مخططات تحديث مصر بخطط طويلة المدى يقودها نمط تعليمى مختلف، استلزم التوسع فى التعليم الجامعى مع الحرص على خلق أنماط تُجارى الطرق الحديثة والمتطورة وتواكب الجديد فى العالم، وهو ما تجسد بشكل واضح فى قرار جمهورى لإنشاء جامعة العريش الحكومية فى 2016، التى صارت صرحاً يضم 16 كلية، بعضها نوعى ومختلف عن مثيلاتها فى الجامعات الأخرى. الكتاتيب التى بدأت أوائل القرن الماضى بعدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة كبرت واتسعت وتطورت وصارت جامعات حتى إنها تسد عين الشمس بكثرة عددها.. صندوق الرمال والصحراء الموحشة تحولت منارة للعلم تضم سبع جامعات متنوعة بتخصصات لا حصر لها جعلت الأمور متاحة للجميع، ولعلها الأكثر على أرض واحدة فى بر مصر ومحافظاتها ومدنها العريقة.. هى ثورة تعليمية لم يحلم بها أكثر الناس تفاؤلاً ممن عايش ما جرى على أرضها من معارك.
قاعات تشهد حفلات التخرج ومنح الدرجات العلمية.. أطباء ومهندسون وأساتذة جامعة فى كل حى وحارة.. بنات كان مصيرهن المحتمل ربات بيوت تحولن إلى أساتذة جامعات وعمداء كليات.. شهادات التخرج التى كانت نادرة الوجود صارت ممهورة بعبارة تحدد جهة التخرج «ومقرها سيناء».