فوجئت -مثلى مثل كثيرين- بتصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن التى قال فيها نصاً: ما تقوم به إسرائيل فى قطاع غزة ليس «إبادة جماعية».. المفاجأة لم تكن فى نفى الرئيس الأمريكى تُهمة الإبادة الجماعية عن إسرائيل ولكنها كانت فى حالة التناقض الواضحة التى ظهر عليها، خاصة أنه كان قد اعترف -منذ ما يقرُب من ٤٥ يوماً- فى أحد خطاباته فى مؤتمر صحفى أن هناك ٣٠ ألف فلسطينى لقوا مصرعهم -بحسب كلامه- وأن التمادى الإسرائيلى فى غزة سيعرِّض إسرائيل لعُزلة دولية.
ولهذا نحن أمام مُعضلة كبرى تجعلنا نوجه عدة أسئلة فى هذا الشأن: هل بعد كل هؤلاء الذين استشهدوا فى قطاع غزة ووصل عددهم إلى أكثر من ٣٥ ألفاً لم نصل إلى الإبادة الجماعية؟ ومتى نصل للإبادة الجماعية؟ هل تأكيدات أنطونيو جوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة، بأن ما تفعله إسرائيل فى قطاع غزة يفوق بكثير الإبادة الجماعية لا تصل لـ«بايدن»؟ هل قيام إسرائيل بمنع دخول الغذاء والدواء والوقود لغزة لا يُعد إبادة جماعية؟ هل قيام إسرائيل بقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والجامعات لا يُعد إبادة جماعية؟ هل قيام إسرائيل بقصف مقرات المنظمات الإغاثية الدولية التى تقدم المساعدات لمواطنى قطاع غزة لا يعد إبادة جماعية؟ هل كمية المتفجرات والصواريخ التى تم إطلاقها على قطاع غزة لا يُعد إبادة جماعية؟
ألم يشاهد «بايدن» كمية الأطلال الناتجة عن القصف الإسرائيلى الغاشم لمنازل أهالى قطاع غزة؟ ولو شاهدها سيدرك أن ما قامت به إسرائيل جريمة شنعاء فى حق الإنسانية جمعاء، ألا يكفى «بايدن» ليقتنع بأن ما يحدث قى قطاع غزة «إبادة جماعية» تلك التأكيدات المستمرة لـ«مارتن جريفيث»، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشئون الإغاثة، بأن غزة على وشك المجاعة وما حدث من قصف إسرائيلى بمثابة كارثة إنسانية؟
المشهد الحقيقى فى غزة يقول الآتى: يتم تقسيم رغيف العيش الواحد على فردين، لا يوجد دواء ولا ماء ولا غذاء ولا وقود، قصف إسرائيلى عنيف ضد المواطنين العُزل الأبرياء ومعظمهم من السيدات والأطفال.. إسرائيل تعانى من نقص فى السلاح وطلبت سلاحاً من أمريكا وهذا دليل على أن إسرائيل استخدمت سلاحاً بكميات طائلة.. البرلمان الكندى اعترض على تصدير السلاح لإسرائيل بعد تورطها فى استخدامه ضد انتهاكات كارثية وقصف الأطفال.. المحكمة الجنائية الدولية تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية.. بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية وعدد من رموز المعارضة الإسرائيلية وعدد كبير من دول العالم يتهمون إسرائيل بالإبادة الجماعية بعد كل ما اقترفته من جرائم تقشعر لها الأبدان فى غزة ومنها قصف مستشفى المعمدانى.
الثابت أن إسرائيل تعدت كل الأعراف الدولية وتمادت فى عنفها وجرائمها والعالم هَب لرفض مسلكها والجامعات فى دول العالم طالتها التظاهرات الرافضة للمجازر الإسرائيلية وشوارع المدن الكبرى فى أوروبا والدول العربية والإسلامية تشهد مظاهرات كبرى منذ شهور.. يكفى أن ما يحدث فى أمريكا داخل الكونجرس وداخل الجامعات وفى الصحف والفضائيات يؤكد أن هناك حالة غضب واضحة ضد ما تفعله أمريكا لمساندة إسرائيل التى تتعدى على القانون الدولى الإنسانى.
على «بايدن» أن يسأل طلبة الجامعات فى أمريكا: لماذا تتظاهرون وتعتصمون فى خيام فى حدائق الجامعات ليتأكد منهم أنهم يعتصمون من أجل إيقاف الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل، وسيصل فى نهاية المطاف إلى أنها («إبادة جماعية» ونصف).. «إبادة جماعية» واضحة وضوح الشمس ولن يغفر التاريخ لمن يرتكبها ولمن يغمض عينه عنها ولمن يساندها ولمن يدعمها ولمن لا يرفضها.