عبر عدة أحداث خلال يومين فقط تدرك، بلا أى مجهود، حاجة مسئولينا إلى ضرورة تعلم تلك الأسئلة التى درسناها بكلية الإعلام: «ماذا أقول؟ لمن؟ كيف؟ فى أى توقيت؟ وما الهدف؟» ليدركوا فى النهاية أن للكلام معنى يبحث دوماً عمن يتلوه بشكل صحيح ومن يفهمه بصورة أدق، فلا نثير لغطاً ولا نضيع حقاً ولا نسىء لمسئولية نتولاها.
وأبدأ، يا سادة، بتصريح وزير العدل الخاص بعدم إمكانية تولى ابن عامل النظافة مناصب قضائية. ذلك التصريح الذى منحنا تغريدة «البوب» على «تويتر» بعد طول غياب عن دولة العدالة! وأقول هنا إن تصريح وزير العدل صحيح فى معناه فاسد فى ألفاظه وعدم اكتماله. فبعيداً عن اتهام العنصرية الذى طال الرجل -وهو اتهام غير صحيح- نجد أن الفاروق عمر بن الخطاب أوصى ولاته على كافة بقاع الدولة بأن يتخيروا لمناصب القضاة ذوى المال والعزوة، مبرراً ذلك بأن صاحب المال لن يطمع ولن يميل ولن يضيع حقاً، وأن صاحب العزوة مسنود على عزوته فلن يخشى فى الحق لومة لائم. كان هذا رأى ابن الخطاب من 1400 عام يا سادة بلا عنصرية ولا ادعاء اشتراكية. أما خطأ وزير العدل فكان فى اختيار ألفاظه لأنه كان عليه ألا يحدد مهنة، بل كان عليه التوضيح والإشارة لشروط المهنة التى يتحدث عنها، كما كان عليه أن يوضح أمراً آخر غاية فى الأهمية مفاده أن حديثه لا يعنى اقتصار الأمر على أبناء القضاة وأبناء الصفوة بل على الكفء الذى تتوافر فيه مقومات المنصب من علم وخلق وكفاءة.
ويبرز فى التصريحات حديث وزير التعليم العالى الذى وصف من يُشيع وجود خلافات بينه وبين رؤساء الجامعات بألفاظ لا تليق بأى مسئول فما بالك بوزير التعليم العالى قدوة الشباب فى العلم والخلق والقدرة على التعبير عن الرأى؟! وتعجبت كيف يمكن لوزير أن يفعل ذلك، وكيف تصمت الدولة على فعلته! وكيف سيحترم طلاب الجامعات قواعد الكلم وأساليبه إذا كان وزير البيت بالدف ضارباً؟
وتأتيك تصريحات وزارة التموين عن حريقها الذى أصاب الوزارة يوم الأحد وأضاع، وفقاً للأخبار، جزءاً كبيراً من أرشيف الوزارة. فالمتحدث الرسمى للوزارة قال لكل الإذاعات والقنوات أن الحريق حدث فى غرفة مهجورة نتيجة ماس كهربائى! وتتعجب: وهل من الطبيعى وجود غرف مهجورة فى الوزارات والمؤسسات؟ وما معنى كلمة غرفة مهجورة تلك؟ ثم كيف علمت الوزارة فجأة بعد دقائق من الحريق أن سببه هو ماس كهربى وليس سبباً جنائياً؟! وأين تحقيقات النيابة فى الحادث لإثبات وجود شبهة جنائية من عدمه؟ ثم من المسئول عن ترك السلك العريان المتسبب فى الماس الكهربى؟ وسواء كان تركه عن عمد أو إهمال فكيف ستتم محاسبة الفاعل؟
ومع كل تلك التصريحات كان الصمت الرهيب على واقعة انقطاع الكهرباء عن مبنى ماسبيرو يوم السبت الماضى بشكل مثير للريبة فى ظل وجود إخوان مسلمين فى قطاع الهندسة الإذاعية والجميع يعلم ذلك فى المبنى. وفى ظل وجود تراخ وفساد كاد أن يقتلنا.
وهكذا يا سادة كانت أهمية معانى الكلم وقيمته -للمتحدث والمستمع- التى يفتقدها مسئولونا للأسف ولا يحاسبهم عليها أحد. رغم أن كلمة تفتح باباً وكلمة تغلق ألف باب فما بالك بالدولة وهيبتها ومصالحها؟