كتبت منذ أسبوع عن مسلسل «بدون سابق إنذار»، مشيداً بمستواه الرفيع كتابة وإخراجاً وتمثيلاً، وتمنيت ألا يقع ثلثه الأخير فى المشكلات التى تعانى منها نهايات معظم الأعمال، من «سلق» وارتباك ولىّ عنق الأحداث، كما تمنيت ألا يقع فى المط والتكرار أو اللجوء لحبكة بوليسية مقحمة.
والحقيقة أن المسلسل تجاوز كل توقعاتى من خلال حلقات أخيرة مشوقة وطبيعية فى الوقت نفسه، ومن خلال نهاية غاية فى البراعة الفنية والإنسانية أيضاً.
وقد شهدت الحلقات الأخيرة ظهور شخصيات جديدة وممثلين جدد، منهم مريم الخشت وحنان يوسف، وقدمت كلتاهما أداء خارقاً للمألوف فى التليفزيون، يضاف إلى أداء فريق الممثلين الرائع عائشة بن أحمد وآسر ياسين وجهاد حسام الدين وأحمد خالد صالح ونها شعيشع وبسمة وإسلام حافظ وفتوح أحمد، بقيادة المايسترو، المخرج هانى خليفة.
إن المشهد الذى تتحدث فيه مريم الخشت عبر الهاتف لتطمئن على نجاح عملية ابنها، الذى تمهد له مجموعة لقطات لها تسير وتجلس أمام باب المستشفى مترددة، هو أحد أفضل المشاهد التمثيلية أداءً وإخراجاً التى رأيتها فى الدراما المصرية. ولا يقل عنه بأية حال المشهد الذى تقوم فيه عائشة بن أحمد باحتضان ابنها البيولوجى لأول مرة فى حياتها، بعد تمهيد مماثل حفل بالتشويق من احتمال أن ترفض أمه بالتبنى هذا اللقاء.
ومن طبيعة شخصيته التى تكتم انفعالاتها دائماً، يقدم آسر ياسين مشهداً آخر بالغ الروعة والتأثير، حين تغلبه العواطف فجأة فى موقف عادى (بما أنه يجيد التماسك فى المواقف الصعبة)، حيث ينتظر وزوجته اتصال الأم البيولوجية لطفلهما من أجل التبرع له بالنخاع. وتحت وقع هذه الدقائق التى تحتاج إلى مجرد الصبر، ينهار فجأة ويسرع بمغادرة الغرفة مخفياً انفعالاته. وحتى هذا الانهيار والانفعال محسوبان بدقة وفقاً لطبيعة الشخصية.
ما يثبته هذا العمل هو أن لدينا مواهب عظيمة كل ما تحتاج إليه بيئة صالحة لنمو وازدهار هذه المواهب، وهذه البيئة تتلخص فى عنصرين حاسمين: الكتابة والإخراج.
والدليل الثانى على ذلك هو «مسار إجبارى»، حيث تألق شباب الممثلين مثل أحمد داش وعصام عمر وزملائهما، بجانب الأكبر سنا صابرين وبسمة، بفضل كتابة جيدة وإخراج متميز لنادين خان.
وبالطبع يبرهن «الحشاشين» على هذه القاعدة بسهولة، فالكتابة والإخراج هما الأساس. ولكن الأهم من الاثنين هو الإنتاج الذى يختار النص والمخرج المناسب له، ذلك أن الإنتاج ليس مجرد توفير الميزانيات كما يعتقد البعض، ولكنه المحرك الأول لـ«الشغلانة».