لم يكن أمراً عادياً.. إنها حملات ممنهجة، تديرها قوى شيطانية، تقدم لك السم فى العسل، تتجاهل الحقائق، تغض بصرها عن الإنجازات، تنسى أن هناك وطناً مستهدفاً، وأن المخطط ليس وهماً أو خيالاً، وأن البلاد تخوض حرباً عاتية تأتيها من الداخل ومن الخارج!!
لقد خرج البعض ليزف إلى الجميع عودة مظفرة تُشهر فيها الرماح والحروب «الدونكيشوتية»، يتقمص فيها البعض أدوار البطولة الوهمية، كلٌّ يريد أن يغسل سمعته على حساب الآخرين، حتى ولو كان الثمن هو رأس «الوطن»!!
هؤلاء يتجاهلون أن «الوطن» لا يزال مثخناً بالجراح، وأن ما يجرى حولنا يهدد بغرق الجميع، وأن البلاد تواجه أعتى التحديات، وأن الكلمات التى يطلقونها تتحول إلى دانات من التشكيك فى كل شىء بهدف إثارة الإحباط فى نفوس رجال تصدوا للمسئولية وحملوا أرواحهم على أكفهم، وواجهوا كل من يسعى للنيل من ترابها.
لم يكن الأمر جديداً، لكن الجديد هذه المرة هو أن هؤلاء أرادوا تكرار نفس السيناريوهات، وذات الكلمات والمفردات التى استخدموها ضد أنظمة سابقة، فنالت رضاً جماهيرياً عارماً، كونها عبّرت عن الحقيقة، واستهدفت توعية الجماهير وحشدها فى مواجهة الفساد والاستبداد أو استرجاع هوية الدولة المصرية من مغتصبيها.
إن أحداً لا يستطيع أن يشكك فى وطنية أىٍّ من الإعلاميين أو الكتّاب أصحاب المواقف الذين يشهد لهم تاريخهم ويدوّن لهم صفحات ناصعة فى الدفاع عن الدولة ومؤسساتها والتصدى للفوضى والمؤامرات ورموزها، لكن ربما غابت «البوصلة» الصحيحة عن البعض منهم، فانساقوا وراء حرب الإثارة، ظناً منهم أن ذلك كفيل بتجميع الناس حولهم، لكن الصواب جانبهم، لأن مصر فى زمن «السيسى» حتماً مختلفة عن فترات سابقة.
لقد شملت هذه الحملة أحزاباً وشخصيات يعرف القاصى والدانى أنها تموَّل من الاتحاد الأوروبى «علانية» وإعلاميين وكتّاباً يدركون حقيقة الدور الذى يقومون به، لكنها اصطدمت مع الضمير الجمعى للمصريين الذين تحركوا على الفور وأعدوا أكثر من «هاشتاج» على مواقع التواصل الاجتماعى تدعم السيسى وتفند الأكاذيب وتتصدى للدفاع عن الدولة، وتُقسم أنها قد تعلمت الدرس فى السنوات التى تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأن أحداً لن يضحك عليها مرة أخرى بشعارات كاذبة هدفها فوضى عارمة وتدمير مؤسسات الدولة (الشرطة والجيش والقضاء).
إننى لن أتعرض لمضمون هذه الادعاءات الكاذبة التى بدأت تطل علينا من جديد، فالأولى بأصحابها أن ينظروا لأنفسهم فى المرآة جيداً، وأن يعيدوا قراءة أو سماع ما رددوه بألسنتهم، ولو كان لديهم ضمير حىٍّ لخجلوا من أنفسهم واعتذروا لجمهورهم الذى انفضّ من حولهم ولم يبق لهم سوى بعض الأصوات «النشاز» التى تغرد خارج السرب.
وبعيداً عن هؤلاء الذين يصرون على أن يبقوا دوماً حالة مثيرة للجدل، أو يبحثون عن بطولة زائفة أو مزيد من الإعلانات لتتكدس الملايين فى جيوبهم، فهناك طرف آخر يعرفه الجميع، إنه المستفيد الأول من حملات التشكيك ظناً منه أنها ستعيد إليه الحياة من جديد بعد أن أفلس خطابه وفقد مصداقيته وانفضّ الناس من حوله، فلجأ للاحتكام إلى السلاح وسيلة للإرهاب وتنفيساً عن حقد مسموم تجاه الشعب والدولة والرئيس.
يدرك هؤلاء جميعاً أن كلامهم وادعاءاتهم لا تمت للمنطقية بشىء، إنها أقرب إلى سموم جماعة «الإخوان» وأكاذيبهم، يكررونها بنفس اللغة والمفردات، متجاهلين ما جرى على الأرض والتغييرات الجذرية المستهدفة، وأولها حماية الدولة من السقوط.
وعندما تتجاهل الواقع وتقفز على الحقائق وتكذب حتى تصدّق نفسك فأنت فى حاجة إلى «طبيب نفسى» يعالجك من حالة الانفصام التى تعيشها ويقلل من نسبة «السواد» التى تكسو قلبك، ويعظّم فيك العودة إلى «روح» الإنسان السوى الذى لا يرى الأبيض أسود، والعكس صحيح.
لقد ابتُلينا فى أوقات سابقة بنخبة فاسدة ومفسدة، استخدمت كل وسائل الإعلام والصحافة ومواقع التواصل فى شن أكبر حملة كراهية فى الوطن بعد ثورة 25 يناير ضد أى شىء وكل شىء، ثم عاد بعضهم يعتذر عن أخطاء ارتُكبت، لكنهم سرعان ما عادوا، لقد أعلنوا التوبة ظناً منهم أنهم سيحصلون على مكاسب لم يحصلوا عليها فى الفترة الانتقالية، فراحوا يبتزون الدولة مجدداً ويعودون إلى ذات المستنقع من جديد.
وزراء فشلوا فى الحكم بعد أن تم إسناد المواقع إليهم لحسابات سياسية عادوا الآن يطلون بوجوههم من جديد ويقولون: «إن الدولة ما زالت تعيش زمن حسنى مبارك»، يكذبون ليعودوا إلى الساحة من جديد، وينسى هؤلاء ويتجاهلون أن السيسى يرفض الابتزاز، ولا يجامل على حساب الوطن.
لقد شن أحد «المتنطعين»، وهو شريك «لشركة إسرائيلية»، حملة ض من سماهم «الدولجية»، أى الذين يدافعون عن الدولة، وعجباً لهذا المتناقض الذى احتفل بعيد ميلاد نجله بتورتة تحمل شعار «يسقط حكم العسكر» بعد أن تم رفض تعيينه فى منصب وزارى أيام حكم المجلس العسكرى بسبب شراكته مع الشركة الإسرائيلية، فعاد ليكون واحداً من فريق حملة الرئيس السيسى ظناً منه أنه سيقبض الثمن، وعندما خرج خالى الوفاض راح يشن حملة مسمومة عن حكم «العسكريين» الذى ما زال سائداً.
ماذا تفعل عزيزى المواطن المصرى أمام هذه الحالة وغيرها، وهل هذه هى النخبة المحترمة التى صدعت رؤوسنا بالحديث عن الحرية والديمقراطية، فإذا بها «سلطة ومهلبية» وادعاءات كاذبة تعبّر عن نفوس مريضة مهترئة، لا ضمير لها ولا انتماء يحدها؟!
هؤلاء وأمثالهم هم الذين بدأوا الحرب الممنهجة، تنطعوا على المقاهى والفضائيات ومواقع التواصل، وأمسك بعضهم بالأقلام المسمومة، ولو راجعت كلاً منهم لأدركت أن الملف متخم بـ«العقد والتشوهات والأمراضى النفسية والأغراض الشخصية، بل والتآمر ضد الدولة الوطنية».
راجع الملفات يا عزيزى القارئ، عمليات نصب واسعة بالملايين لبعض المشككين، تعاملات غير سوية مع الآخر، لسان فى العلن ولسان فى السر، حقد على الآخرين، انتماء مفتقَد للقرية وللوطن، حتى لغة الحياء والأدب مفتقَدة لدى بعض المارقين منهم، أراهنك لو استطعت الاستمرار فى علاقة إنسانية معهم بعيداً عن المصالح، هم «نبت» شيطانى، لا يضرب بجذوره فى أرض الواقع، هو بالضبط «كنبات» متسلق يترعرع فى بيئة غير طبيعية.
قد يستطيع أن يضحك على الناس لبعض الوقت، ولكن حتماً لن يستطيع خداعهم كل الوقت، انظر إلى السياق التاريخى للإنسان ومواقفه عبر أزمنة متعددة، راجع مواقفه الإنسانية قبل الإعلامية أو السياسية، وساعتها ستكتشف الإنسان على حقيقته بغضّ النظر عن ادعاءاته وأكاذيبه.
بالأمس كان لأصحاب الصوت العالى «سطوة»، كانوا يظهرون فى صورة الملائكة، ولكى تكون ملاكاً فى نظر البعض يجب أن «تشيطن» الآخرين، وهذا هو ما حدث على مدى السنوات الماضية.
من حقك أن تختلف مع النظام وأن تواجه الفساد والاستبداد بكل جسارة وفروسية وأن تدفع الثمن عن طيب خاطر، ولكن عندما تتجنى على الحقيقة وتمسك بسيف «دونكيشوت» لتحارب طواحين الهواء وتشكك فى الدولة ومؤسساتها لحسابات بعيدة عن حسابات الوطن، ساعتها من حق الآخرين أن يعلنوا الحرب عليك.
هذا الوطن ملك لشعبه، وليس لفئة نصبت نفسها «الراعى الرسمى»، تمنح صكوك الثورية والوطنية لمن تريد، وتهيل الثرى على الآخرين، لأنهم يفرقون بين المصداقية والإثارة، وبين الوطن والخلاف مع النظام، وبين الحاكم الوطنى المخلص ومن يسعى إلى طمس هوية الدولة.
ومن عجب أن بعضاً من هؤلاء وقفوا فى خندق الإخوان، بل وبعض من يشككون الآن فى مصداقية الدولة لإجراء الانتخابات البرلمانية هم من وقفوا جنباً إلى جنب مع «محمد مرسى» فى الفيرمونت وشككوا فى كل شىء إلا الإخوان، ثم عادوا ليقنعونا بنظرية «عاصرى الليمون».
هناك من كان مجرد أداة فى يد الإخوان، يروّج لهم، ويحدثنا عن حق مرسى إكمال فترته، وعن الشرعية والانقلاب، من عجب أيضاً أن هؤلاء يتصدرون مشهد «الكلمنجية» المشككين فى كل شىء فى الوقت الراهن.
إن الأمثلة السابقة ما هى إلا نماذج «لولبية» تتحرك فى مساحة محددة، وتنطلق من قنوات وصحف بعينها، متجاهلة عن عمد الواقع الذى عاشته مصر ولا تزال بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وتحديداً منذ الاستدعاء الشعبى للرئيس عبدالفتاح السيسى، وانتخابه رئيساً للدولة بنسبة تزيد على الـ97 ٪ فى انتخابات حرة ونزيهة أشاد بها القاصى والدانى، وأكدت أننا أمام «رئيس استثنائى» أوكلت إليه مهام إعادة تحقيق الأمن والاستقرار وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة.
لم يكن ذلك هو التفويض الوحيد، فالشعب المصرى يمنح الرئيس مع كل أزمة أو إنجاز تفويضاً جديداً وثقة بلا حدود، منطلقاً من وعى وإدراك بمخاطر المرحلة الراهنة، والتحديات التى تواجه البلاد، وهى جد خطيرة، لا يستطيع مواجهتها إلا الرجال.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يدرك منذ البداية أن «هناك من لا يعجبهم العجب»، وهو يعرف تماماً أن «الطابور الخامس» ليسوا فقط هم «الإخوان»، بل هناك قوى وأشخاص هم بمثابة «خلايا نائمة» تتلون كما تتلون «الحرباء»، تبث سمومها وتشكك فى كل شىء، ليس بهدف التقويم إن كان ما يرددونه صحيحاً وإنما بهدف «الإثارة» التى تخدم هدف «إسقاط الدولة وإشاعة الفوضى».
قلت إنه من العبث القول إن الجميع متهمون، فهناك عناصر تتحدث عن تجاوزات الأفراد وتعممها على الدولة والمؤسسات، وهؤلاء لا يمكن التشكيك فى وطنيتهم، ربما أساءوا التقدير، وخلطوا الأوراق، لكن يجب التفريق بينهم وبين أصحاب الحرب «الإعلامية» الممنهجة الذين يعرفون ماذا يستهدفون!!
غير أنه يغيب عن هؤلاء أن الواقع مختلف، وأن الجماهير وعت وأدركت بفعل التجربة السابقة أن كثيراً من الذين عادوا يطلون بوجوههم من جديد كانوا سبباً فى الفوضى التى تعرضت لها البلاد فى الفترة التى أعقبت ثورة «يناير» وحتى ثورة الثلاثين من يونيو.
إن أحداً لا يستطيع تجاهل أزمات الواقع ومشاكل الجماهير، كما أن أياً من الكتّاب أو الإعلاميين لا يستطيع أن يقدم صورة وردية لكل شىء، فهذا يصطدم حتى مع ما يردده رئيس الجمهورية الذى يؤكد أن الفساد والمشكلات لا تزال موجودة، لكن هناك فرقاً بين أن تكرس الأزمات وبين أن تسعى إلى حلها، بين أن تتجاهل الفساد وبين أن تقاومه، بين أن تتعامل بالمسكنات، وبين أن تواجه الأزمة مواجهة جذرية.
إن ما يفعله الرئيس السيسى ليس هدفه حل المشاكل «الآنية» فحسب، بل إنه يتعامل بمنطق النظرة الاستراتيجية، يتمثل ذلك فى المشروعات الاقتصادية الكبرى رغم تكلفتها (حفر قناة السويس، ورصف 3200 كيلومتر، وإصلاح مليون فدان خلال عام)، ناهيك عن آلية تعامله مع هذه الأزمات والمدة الزمنية التى يحددها للإنجاز السريع.
إن الرئيس السيسى ليس فى حاجة للدفاع من أحد، وهو بطبعه يبعد المنافقين عنه، ويحذر فى التعامل معهم، ولكن هناك فرقاً كبيراً بين الدفاع عن الحقيقة والتجنى عليها، فتلك مسئولية كل أصحاب الضمير المهنى بغض النظر عن موقفهم السياسى أو الخندق الذى ينطلقون منه فى التصدى لهذه الحملات المسعورة التى أطلت علينا من جديد.
صحيح أن الرئيس لا يكن فى قلبه «حقداً» لأحد، وهو متابع جيد للخطاب الصحفى والإعلامى، ولكن هناك فرقاً بين أن تنتقد بمسئولية وموضوعية وبين أن تتجنى على الحقائق وتتبنى الأكاذيب وترددها وأنت تعلم عدم مصداقيتها.
والغريب أن هذه الحملة تشتد مع اقتراب نهاية العام الأول لتولى الرئيس السيسى حكم مصر، وهو عام كان زاخراً بالتحديات والإنجازات، غير أن الرئيس تعامل مع كل ذلك بمنطق «يد تبنى ويد تحمل السلاح» واستطاع خلال العام الذى مضى منذ توليه المسئولية أن يعيد للدولة توازنها، وهيبتها، وبناء مؤسساتها، وأن يواجه بكل حسم المتآمرين عليها، وأن يحل العديد من المشكلات والاحتقانات الداخلية والخارجية، وأن يواجه الإرهاب بكل حسم، وأن يبنى وطناً تعرّض لأخطر الأزمات ولا يزال.
ولأن الناس يدركون الحقيقة، ويعرفون أن من يتصدى للمسئولية فى هذا الزمان يتحمل ما تنوء بحمله الجبال، لذلك تجدهم يقفون مع الرئيس ويدعمونه، وانتفضوا على الفور وتصدوا للمشككين وفندوا اداعاءاتهم، وهو أمر لم يحدث فى كثير من الأزمنة السابقة.
فى هذه المرة، الوضع يبدو مختلفاً، ولذلك فإن هذه الحملات تبدو كفقاعات سرعان ما تنفجر فى وجوه أصحابها، وتدفع الجماهير إلى القيام بحملة «تجريس» لهم، كما حدث على مواقع التواصل الاجتماعى خلال الأيام الماضية.
وإذا كان المصريون يرددون المثل القائل «يا سيسى، يا جبل ما يهزك ريح» فإن ذلك تعبير حقيقى عن أن هذا الرجل بات «المنقذ الحقيقى» لمصر فى هذه الفترة التاريخية الخطيرة.. إنه الرجل الذى استرد الدولة من براثن الإخوان، والآن يعيد بناءها لا يريد منا جزاء ولا شكوراً.