لا أهتم كثيراً لما يقال هنا أو هناك عن تراجع تأثير مصر فى القرارات العربية، وهو حديث تردد بعد نشر أخبار عن عقد مؤتمرين فى المملكة العربية السعودية أحدهما لبحث الوضع اليمنى بحضور جميع أطراف المسألة، وثانيهما يخص المعارضة السورية «السلمية» (وضع تحت توصيف السلمية مئات الخطوط). فالتاريخ يؤكد لى دوماً أن اتفاقيات العرب ومؤتمراتهم تبعد عن البوصلة العربية حينما تبعد عن مصر، أياً كانت جهة عقد الاتفاق أو أهدافه ومصالح الموجودين به. خذ على سبيل المثال اتفاق الطائف فى عام 1989 برعاية المبعوث الأممى الأخضر الإبراهيمى لإنهاء حالة الحرب الأهلية فى لبنان، والذى منح اللبنانيين هدنة شكلية لوقف مواجهة السلاح، لكنه رسخ لطائفية معقدة أصابت لبنان بالشلل فى اتخاذ قرارات مصيرية للدولة كاختيار الرئيس أو إجراء انتخابات أو نزع سلاح أى ميليشيات مسلحة غير تابعة للجيش اللبنانى. وهو ما منح حزب الله التابع لإيران، فكراً وعملاً وتوجهاً، تمدداً سياسياً بشكل جعله دولة داخل الدولة تشن الحروب وتبدأها وتورط لبنان فى المواقف السياسية التى يدفع ثمنها جميع اللبنانيين لا المنتمين للحزب فقط. كذلك اتفاق مكة للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية عام 2007 بين حركتى فتح وحماس لإنهاء حالة الانقسام الفلسطينى التى بلغت ذروتها بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية، الذى انتهى بالفشل رغم ما صاحبه من دعاية وإمكانيات مادية وصلت لحد دفع أموال لأطراف التفاوض لتنفيذ بنوده. مع شن حملة صحفية عربية تؤكد على تراجع الدور المصرى فى القضية الفلسطينية وتقدم المملكة على الصعيد السياسى فى المنطقة وتصدرها المشهد. لهذا كله لا يعنينى يا سادة تغييب مصر عمداً أو سهواً عن تلك المبادرات التى علمنى التاريخ دوماً أن مآلها الانتهاء لا لسبب غير أن مصر، شاء من شاء وأبى من أبى، قلب الأمة العربية وأنها حينما تتصدى لقضايا المنطقة تنطلق من مبدأ المصلحة العامة لدولها، لا من مبدأ المصلحة المصرية مهما كلفها ذلك من ثمن أو تحديات.
ولكن ما يعنينى يا سادة بحق فى الوضع الراهن هو الشأن الداخلى لبلادنا، بين أحاديث عن إرهاب يتحدث الخبراء فيه عن أنه سيزداد شراسة فى الأيام المقبلة، وبين فساد أنهك المواطن والدولة ويهدد أمنها القومى، وبين صبر غالبية شعب على صعوبات الحياة فى انتظار تحقيق المعجزة، وبين غياب إحساس نسبة لا يستهان بها من المسئولين بأولويات المرحلة وطبيعتها وضرورة تغيير الواقع بأى شكل من الأشكال وبأقل التكاليف حتى يشعر المواطن بتغيير، ولو نسبياً، يدفعه إلى التمسك بالأمل فى مواجهة ما يتعرض له فى حياته اليومية. نعم نحتاج لانتفاضة ضمير جمعى وفردى تسبقها رؤية منظمة سريعة لأولويات العمل اليوم. نحتاج للحسم والتنظيم والتفكير من خارج الصندوق بحق -لا بمنطق تقنين بيع الحشيش وفرض الجمارك عليه- حتى لو تطلب الأمر إشراك المواطنين فى التطوير بنفس منطلقنا فى مشروع قناة السويس بدلاً من أن يلقوا بأموالهم لأى «مستريح» يلهف شقا السنين فيعاودوا الصراخ فى وجه الدولة. نعم نحتاج لرؤية تدفع بنا للاستغناء عن طلب العون.