هل يمثل "الدعاة المستقلون" خطرا على الشباب؟
تعد ظاهرة "الدعاة المستقلين" من الظواهر التي انتشرت في المنطقة العربية خلال العقدين الأخيرين، وأصبحت تمثل إحدى مكونات التيار الإسلامي، بصفة عامة، وبات بعض رموزها يمارسون دورًا بارزًا في توجيه بعض الشباب من الدول العربية نحو العنف، تارة بدعوتهم للذهاب إلى مناطق الحرب والقتال على غرار سوريا، تحت شعار "الجهاد" و"الدفاع عن الإسلام"، وتارة بحضهم على التظاهر ضد أنظمة الحكم القائمة تحت عنوان "الدفاع عن الشرعية"، ويمكن القول إن مستقبل ظاهرة "الدعاة المستقلين" أصبح مرتبطًا بشكل كبير بمدى قدرة المؤسسات الدينية الرسمية على استعادة دورها القيادي والتوجيهي لدى الشباب في المنطقة، ونجاحها في تجديد خطابها الديني، وتبني رؤية تتوافق مع متطلبات الواقع ومتغيراته.
وبحسب دراسة أجرتها وحدة الرأي العام للمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، فإن أبرز ملامح هذه الظاهرة أنها تتسم بقدر من التعقيد، فرغم أن الاستقلالية إحدى السمات المميزة لهذا النمط من الدعاة، لا سيما أنهم لا ينتمون إلى المؤسسات الدينية الرسمية، أو إلى أي من التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة، حيث يعمل الداعية المستقل في مجال الدعوة الإسلامية بمفرده وبأفكاره ورؤيته التي كونها بنفسه، إلا إنها رغم ذلك تحمل بين طياتها عدة توجهات متباينة يصعب الفصل بينها، فرغم كون معظم الدعاة المستقلين يتبنون النهج السلفي، إلا أن بعضهم يميل إلى الفكر الجهادي ويحرض الشباب على الذهاب إلى "مواطن الفتن والقتال".
وأضافت الدراسة أن هؤلاء الدعاة يناصرون التيارات الإسلامية التي تصل إلى الحكم ويدعون للدفاع عن شرعيتها، برغم أن بعضهم يدعو بشكل واضح إلى البعد عن السياسة بأشكالها المختلفة، وهو ما يجعل ظاهرة "الدعاة المستقلين" تجمع في الغالب بين أكثر من توجه في آن واحد، كما صار بعض رموز الدعاة المستقلين الذين أصبح لهم وجود واضح وملحوظ على الساحة الدعوية في المنطقة، يمارس دورًا واضحًا في توجيه قطاعات من الشباب إلى العنف والتطرف، وإن كان ذلك يتم بطريق غير مباشر.
ويستغل الدعاة المستقلون تأثيرهم على الشباب وتقبلهم لخطابهم غير التقليدي، في دفعهم لتبني توجهات أيديولوجية معينة، على غرار اعتراض عدد من الدعاة المستقلين في مصر وخارجها على إسقاط حكم الإخوان المسلمين، بعد ثورة 30 يونيو 2013، ودعوتهم للشباب إلى مناصرتهم والدفاع عن وجودهم في الحكم، من خلال التظاهر والاعتصام، تحت دعوى أنهم كانوا سيحكمون بالشريعة ويعيدون الخلافة الإسلامية.
كما يقوم هؤلاء الدعاة - بحسب الدراسة - بفرض ضغوط على المرجعية من خلال تشويه العلماء الرسميين الذين يختلفون معهم بشكل دائم، وهو ما يدفعهم إلى اتهامهم باتباع سياسات الدولة، وهو ما يمكن أن يدفع الشباب إلى فقد الثقة في كبار العلماء، وربما يكون ذلك مقدمة لالتحاق بعضهم بالتنظيمات الجهادية، التي يظن أنه سوف يجد فيها "المرجعية الحقيقية"، التي تمثل "الإسلام الصحيح".
وأثبت الواقع أن كثيرًا من رموز الدعاة المستقلين، لديهم ميول فكرية جهادية أو إخوانية، رغم كونهم من أتباع النهج السلفي، بدت جلية في التحريض ضد بعض الأنظمة الحاكمة، أو حث الشباب على الذهاب إلى مناطق الأزمات للمشاركة في القتال.