مجازر الأرمن والمسئولية الأخلاقية للمجتمع الدولى

لسنوات طوال سعى الشعب الأرمنى، سواء فى دولة أرمينيا أو الأرمن الذين استوطنوا بلداناً عدة فى المنطقة الممتدة من الشام إلى مصر، سعوا إلى اقتناص اعتراف دولى بالمجازر التى ارتكبها الأتراك إبان الحكم العثمانى، وتحديداً أثناء حكم السلطان عبدالحميد، حيث جرى تهجير قسرى لمئات الآلاف من الأرمن، من مناطقهم لمناطق أخرى، وتروى قصص مأساوية حول رحلة التهجير القسرى وإرغامهم على السير دون زاد أو مياه، الأمر الذى زاد من الكارثة وأدى إلى وفاة الآلاف كما تم قتل الآلاف من الثوار الأرمن الذين كانوا يسعون لتقرير مصيرهم وإنشاء دولتهم المستقلة. مرت الآن مائة عام على ارتكاب هذه المجزرة حيث يتحدث الأرمن عن مقتل وإعدام ما يزيد على مليون أرمنى على يد الجيش العثمانى بينما تركيا تنكر تماماً هذه المجازر، وإن كانت على استحياء تشكك فى الأرقام وتطرح أرقاماً أقل فتقول بعض المصادر التركية غير الرسمية إن أعداد القتلى لم تتجاوز 300 ألف قتيل، لكن الخطير فى الأمر أن تركيا ترفض بشكل قاطع تحمل المسئولية حتى الأخلاقية بالاعتراف بهذه المجزرة التى لا تقل مأساوية عن الهولوكست ضد اليهود، ففى الوقت الذى اعترف فيه المجتمع الدولى بمسئولية ألمانيا عن الهولوكست، وهى المحارق ضد اليهود فى ألمانيا أثناء الحكم النازى، وألزم الحكومات الألمانية بالاعتراف بالمأساة وعمل نصب تذكارى عن هذه المحارق وسط برلين وإدخالها مناهج التعليم ليعرف كل تلميذ ألمانى كيف ارتكبت هذه المجازر، بل تم حظر إنكار المحرقة قانوناً فى كل دول الاتحاد الأوروبى، بل يعاقب منكرها مهما علت منزلته الثقافية والفكرية، ونذكر جميعاً الموقف من روجيه جارودى المفكر الفرنسى الذى شكك فقط فى أرقام ضحايا الهولوكست. لم يصدر تقرير واحد من الأمم المتحدة سواء من الجمعية العامة أو مجلس حقوق الإنسان الدولى لإدانة تركيا لارتكابها هذه المجازر وإعلان اعتذارها عنها وتحمل المسئولية فى تعويض الضحايا وأسرهم، بينما اعترف كثير من الدول (بلغت حتى الآن ٤٦ دولة)، إلا أن المنظمة الدولية الكبرى وهى الأمم المتحدة لم تتحمل حتى الآن المسئولية الأخلاقية لإدانة هذه المجازر وتحميل المسئولية عنها لتركيا. لاشك أن هناك معايير مزدوجة من المجتمع الدولى فى التعامل مع مجزرة ارتكبت ضد مسيحيين أرمن من قبل الدولة العثمانية حيث يتم تجاهلها منذ ارتكابها منذ مائة عام فهى تعود لعام ١٩١٥، تاريخ المجازر والمشانق التى علق عليها الأرمن بمدينة إسطنبول. المحرقة الألمانية النازية لم تمر وما زالت ألمانيا تدفع ثمن هذه الفظاعات التى ارتكبت بينما لا تزال تركيا تتعامل باستهانة شديدة مع تلك الفظاعات التى ارتكبها العثمانيون. أخطر ما شهدته هذه المجازر الأليمة هو المنطق الذى تحدث به أردوغان فهو يقول: «ارتكبت مجازر هنا وهناك ونحن على استعداد لفتح أرشيفنا وعلى الآخرين فتح أرشيفهم»، وهذا منطق فاسد ولا يستقيم فى عصر قيم ومبادئ حقوق الإنسان فلا يجوز تبرير ارتكاب المجازر، بل يجب إدانة كل الجرائم الكبرى لاسيما أن القانون الدولى وصل لمرحلة كبيرة من التطور فقد أنشأ محكمة جنائية دائمة للجرائم الجنائية الكبرى، مثل التطهير العرقى والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ولا يمكن أن نتقدم إلا بالاعتراف بالفظاعات التى ارتكبت ضد مجموعات بشرية وعرقية مختلفة، حتى نطمئن إلى أن المجتمع الدولى قد اعترف بأخطاء الماضى واعتذر عنها، حتى لا تتكرر هذه الفظاعات فى المستقبل. فى هذه الذكرى المئوية على وقوع تلك المجازر المطلوب هو تحمل المسئولية الأخلاقية والاعتذار للشعب الأرمنى فى الوطن وفى المهجر عما تعرض له أجدادهم من فظاعات عهد العثمانيين.