الحياة في سيناء قبل التحرير "ترهيب إسرائيلي".. وبعده "مفيش تنمية"
صحراء تمتد على مئات الكيلومترات في شبه جزيرة سيناء، تتجول عربات الجيب التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لتتفقد المدن المتواضعة، تتراص منازل بسيطة بعشوائية بجوار تجمعات المياه والآبار، وبعيدًا عن البحر، حيث كان يفضل أهالي العريش الإقامة، تغطس الشمس في منتصف البحر لتعلن عن بدء الليل، وسريان حظر التجوال الذي فرضه الاحتلال على التجمعات البسيطة من ساكني الصحراء.
قبل تحرير سيناء كانت قوات الاحتلال تتعامل مع المواطنين في سيناء بمنطق "الترغيب والترهيب"، كما يتذكر الشيخ نعيم جبر، منسق عام قبائل شمال سيناء، الذي يقول: "إما أن تبيع أرضك لجيش الاحتلال بمبالغ خيالية لا تحلم بها وإما أن تهدد بالقتل والطرد والتشريد، كان منطق المواطن السيناوي وقتها مضاد لمنطق جيش الاحتلال، فكان يتجاهل دعوة البيع، ويتمسك بأرضه حتى لو تسبب ذلك في موته عليها، فهو شرف يسعى له".
"لا تعليم ولا مياه ولا كهرباء ولا خدمات صحية"، هكذا قرر الاحتلال الإسرائيلي أن يتعامل مع المواطنين في سيناء، وفرض عقابًا جماعيًا عليهم، وهو الأمر الذي تحمله المواطن السيناوي ولم يزده إلا إيمانًا بقضيته ووطنيته، على أمل أن تتحرر الأرض يومًا ويتغير الواقع، ويتحقق حلم التنمية، كما يروي نعيم جبر لـ"الوطن".
كان مخيبًا للآمال ما حدث خلال الثلاثة عقود التي تلت تحرير سيناء بالكامل، والكلام لازال على لسان منسق القبائل في شمال سيناء، فلم تلتفت الحكومة إلى تنمية سيناء، ولم يتغير الحال فيها كثيرًا، حتى إن عصر مبارك تعمد تشويه صورة المواطن السيناوي، وصوره إما تاجر مخدرات أو إرهابي خارج عن القانون يقاتل قوات الشرطة، وهي الصورة التي ولدت حالة من الحنق في نفوس المواطنين في سيناء، وجعلتهم يشعرون بالنقم على الحكومة وقتها.
"لا يمكن أن تحدث تنمية بدون اتصالات أو مواصلات".. هذان العنصران هما دعائم التنمية وقيام أي حضارة، كما يوضح "جبر"، مضيفًا أن هذين العنصرين مفقودان الآن في سيناء، وبالنسبة للمواصلات، توقف مشروع سكة حديد الفردان التي كانت ستربط شمال سيناء بباقي المحافظات، وتم سرقة القضبان الحديدية، كما أن كوبري السلام الذي يربط شمال سيناء بالإسماعيلية فوق قناة السويس مغلق بسبب الدواعي الأمنية.
الاتصالات هي الآخرى مقطوعة عن شمال سيناء، وهو الأمر الذي يشكل عائقًا أمام المواطن العادي في قضاء حوائجه، كما أن هناك مشكلة حقيقية في مياه الشرب في سيناء، هذا هو ما وصلت إليه سيناء بعد 33 عامًا على التحرير، بحسب منسق القبائل، الذي شدد على ضرورة محاربة الدولة للإرهاب بالتنمية وليس عسكريًا فقط.
الحياة في شوارع مدينة العريش، الآن، عادية جدًا قبل بدء سريان حظر التجوال في المدينة، ويحرص المواطنون على الذهاب إلى العمل صباحًا والعودة باكرًا، ليلازموا منازلهم من الساعة السابعة حتى السادسة صباحًا، وهو الأمر الذي أضر بحياة أصحاب الحرف كما يوضح محمد حسن، الذي يعمل نجارًا، ورغم أنه جاء إلى سيناء في الثمانينات إلا أنه لم يكن يتخيل أن يتحول الوضع بسبب الإرهاب إلى ما هو عليه الآن بعد طرد الاحتلال الإسرائيلي.