هل توافقنى على أن نترك اليوم، مؤقتاً، الحديث عن تجديد الخطاب الدينى لنتحدث عن الحديد؟
سأعتبر أنك وافقت، وحتى لا يلتبس الأمر لديك فإننى لن أتحدث عن الذى يقال من أن «الأهلى حديد» وكذا لن أتحدث عن سورة «الحديد» ولا محطة مصر للقطارات التى كان يقال عنها قديماً «باب الحديد»، لكننى سأتحدث عن حديد التسليح وعلاقته بالفساد، ولعلنا نعلم أن الحديد الذى أنزله الله فيه بأس شديد ومنافع للناس، ولكن فى أيامنا هذه نستطيع أن نوقن بأن الحديد فيه بأس على مصر ومنافع لبعض الناس، وليس أى ناس يا صديقى لكنهم ناس غير الناس، أولئك هم ناس عز وناس هشيمة وناس الضو وناس الجارحى، ثم أخيراً ناس منير فخرى عبدالنور الجالس على كرسى من حديد لا يتزحزح من تحته أبداً فى وزارته المعروفة بوزارة التجارة والصناعة، وفى ظل حكومات متعددة تغيرت الدنيا ولم يتغير صاحب الكرسى الحديدى! صاحب البركات، والذى يقال عنه فى الريف المصرى «أبو إيد طايلة».
فهو فى وزارة شفيق جلس متربعاً على كرسى وزير السياحة، فلما فشل فشلاً وخيماً، لم يستطع أحد زحزحته من الوزارة، فظل سائحاً على ذات الكرسى فى وزارة عصام شرف، فلما فشل فشلاً وبيلاً ظل جالساً على ذات الكرسى فى وزارة كمال الجنزورى، وعندما تكررت مرات الرسوب لهذا الوزير الحديدى كان لا بد من مواجهته ومواجهة فشله المتكرر، أتحسبون أن مصر غافلة عما يعمل الفاشلون؟! لا والله، لا يكون هذا أبداً، فحدث أن وقف رئيس الوزراء الأخير المهندس إبراهيم محلب مكشراً عن أنيابه، ويبدو أنه أقسم برب العزة أن يزيح هذا الوزير الفاشل من مكانه، وأبر المهندس محلب بقسمه، فأزاحه من موقعه كوزير للسياحة، ثم! ثم ماذا؟! ثم جعله وزيراً للتجارة والصناعة التى يتقلدها حتى الآن، فأكرم وأنعم به، ولعل أحد الخبثاء سيسأل ما علاقة السياحة بالتجارة والصناعة؟! ولهذا الخبيث أقول: قل لى أنت ما علاقة منير فخرى عبدالنور بالسياحة أصلاً؟! وما صلته بالتجارة والصناعة؟! اللهم إلا ريادته فى صنع المربى.
وبعد هذه المقدمة الطويلة ندخل فى الموضوع لأقسم لكم أننى لن أترك هذا الوزير إلا أمام رئيس الجمهورية فأنا أعلم أنه يحارب الفساد، فإذا لم ينصفنا الرئيس من أكبر جريمة فساد فسأضطر إلى التنازل قليلاً وسأذهب بعبدالنور إلى المهندس محلب، ولكن قد تقوم معضلة أمامى لأن السيد رئيس الوزراء لا يقابل إلا محمود بدر، والسادة رجال الأعمال ورجال الإعلام، والسادة المشاغبين رجال الأحزاب، والسيد الإعلامى توفيق عكاشة، وقد هدانى تفكيرى إلى أن ألجأ لحيلة حتى أقابل رئيس الوزراء فالتحقت بحزب المحافظين، ولكن حيلتى فشلت كفشل منير فخرى عبدالنور، فإذا أغلقت الأبواب فى وجهى فليس لى إلا أن أجرجر عبدالنور فى المحاكم والأعمار بيد الله وحده.
ولكن ما القصة؟
القصة تبدأ من خبر نشرته «روزاليوسف» منذ فترة قالت فيه: «رفيق الضو رجل الأعمال اللبنانى أقام حفلة خاصة لوزير الصناعة والتجارة منير فخرى عبدالنور بفندق فينيسيا إنتركونتننتال ببيروت، الحفلة حضرها رجل الأعمال جمال الجارحى رئيس غرفة صناعة الحديد، وشهدت الاتفاق مع عبدالنور على تجديد رسم حماية الاحتكار لصالح الضو ومجموعة من كبار منتجى الحديد فى مصر».
يا صلاة النبى أحسن!
يتم الاتفاق على وضع رسم حماية لكبار رجال الحديد فى لبنان والداعى هو الضو؟! من هو رفيق الضو هذا؟!
كنت أظن فى وقت مضى أنه مدير مكتب الوزير عبدالنور، إذ سبق له أن صرَّح فى الصحف على لسان الوزير «إن وزير الصناعة منير فخرى يحرص على عدم سماح الحكومة باستيراد شحنات حديد صينى حفاظاً على الصناعة المحلية»، وزاد الظن ظناً عندما قال الأستاذ الضو «إن قرار وزير التجارة والصناعة منير فخرى عبدالنور بفرض رسم حماية مؤقتة على واردات الحديد بنسبة قدرها 7.3% من القيمة CIF للطن، وبما لا يقل عن 290 جنيهاً مصرياً عن كل طن من واردات حديد التسليح، وذلك لمدة لا تتجاوز 200 يوم، يصب فى خدمة وحماية الصناعة المصرية والمستهلك».
لكن أعادتنى «روزاليوسف» إلى الواقع، فالأخ رفيق الضو هو رجل أعمال لبنانى، كان يعمل فى صناعة الحديد فى أوكرانيا، وسبق له أن تزوج من ابنة محافظ مدينة «سيمفروبل» الواقعة فى مقاطعة القرم الأوكرانية وقد أعطاه حماه الأوكرانى ما لذ وطاب من أراضى بلاد القرم فأقام فيها مصانعه، ولكن استيقظ عمنا رفيق الضو من النوم ليجد نفسه على قارعة الطريق بعد أن تم ضم تلك المدينة لروسيا، وهناك فى روسيا من يكشر حقيقة عن أنيابه، وهو يختلف تمام الاختلاف عن التكشير المصرى، فروسيا بلد بوتين الذى غار على أرض بلده فطرد الضو واستولت روسيا على جميع أملاكه، فما كان من الضو إلا أن عاد إلى لبنان خالى الوفاض، ولكن هل يُفلس عربى وأرض الكنانة بيننا، كلا وألف كلا، فقد سبق من قبل أن وضع الضو بعض ماله فى مصر، واشترى مع صديقه الحميم جمال الجارحى شركات السويس للحديد، وكبرت المجموعة فى ظل رعاية الدولة المصرية لها فضمت بين طياتها شركات العتال وحديد البحر الأحمر وهلم جرا، واللهم لا حسد، وهنيئاً مريئاً إذا كان الرزق حلالاً، ولكن يخرج علينا رموز الشركات الكبرى المحتكرة لصناعة الحديد، أحمد عز يا خلق هُو، وجمال الجارحى يا رئيس الوزراء، ورفيق الضو يا أى جهاز رقابى فى مصر، لكى يلطموا وجوههم قائلين: الغوث الغوث يا وزير التجارة والصناعة المصرى، نحن نتعرض لخطر داهم، صناعة الحديد فى مصر مهددة، لماذا يا ترى؟! لأن هناك تجاراً يستوردون حديداً من بلاد مختلفة وتجارتهم تؤثر على صناعتنا! وحتى نحمى صناعتنا يجب أن يُفرَض رسم على كل طن حديد يتم استيراده، فنظل نحن أصحاب الاحتكار وأصحاب المكاسب.
عندما قال المحتكرون بتلك الفرية لم يجرؤ الوزير رشيد محمد رشيد أيام مبارك على ارتكاب تلك الفاحشة، وترتب على ذلك أن صُنَّاع الحديد اضطروا آسفين إلى تخفيض سعر طن الحديد، فالواقع يقول إن إنتاج طن الحديد فى مصر هو أقل تكلفة من أى دولة فى العالم بالنظر إلى انخفاض أجور العمالة مع انخفاض أسعار الكهرباء والطاقة، لكن الجشع يجعل عز والجارحى والضو وهشيمة يضعون المليارات فى خزائنهم كل عام، ثم ينفردون وحدهم دون غيرهم بتحديد سعر الحديد، أما من الذى يتحمل التكلفة، فهو أولاً المواطن المصرى البائس الذى يبحث بالكاد عن غرفة يقيم فيها، ثم وزارة الدفاع لأنها أكبر مستهلك للحديد، ثم شركات المقاولات والوزارات، وأضف إلى هذا أن زيادة سعر الحديد يترتب عليها حتماً زيادة أسعار مواد البناء وغيرها والله لطيف بعباده.
ولكن ما لم يستطع رشيد إتيانه يقوم به عبدالنور، فيهرع الرجل ويكلف إدارة مكافحة الدعم والإغراق بدراسة الأمر، ولأن الرسم الذى سيضاف إلى سعر الحديد المستورد سيخرجه من المنافسة تماماً فينفرد عز وإخوانه بأموال مصر ومصر منشغلة بمواجهة الإرهاب والرؤية ضبابية ولا أحد يهتم، فلا صوت يعلو على صوت المعركة القائمة ضد الإرهاب، ولأن هذا الرسم يجب أن يخضع لقواعد وضعتها اتفاقية الجات، فلا مانع من أن ترسل وزارة التجارة للمنظمة الدولية للتجارة خطاباً مزوراً، نعم «مزور»، تقول فيه إن استيراد الحديد عام 2011 كان كذا، ثم أصبح هذا العام كذا، وكذا هذه تمثل خسارة كبيرة لمصانع الحديد، وكذا هذه أيضاً يا رئيس الوزراء هى أرقام غير حقيقية، لكنها مزورة لتمرير الرسم.
وتم فرض الرسم وعليه العوض وتنتهى مدة فرض الرسم، ولكن عز دفع مبالغ كبيرة فى كفالات المحاكم ويجب أن يتم تعويضه من جيوب الغلابة، والضو خسر كثيراً من تجارته التى بارت فى أوكرانيا، والجارحى لم يجمع ما يكفيه من مال، والضو يصدر تصريحات بالله العظيم ليفصلن كل عامل يطالب بزيادة أجره، والقانون يقول لا يجوز أن يتم فرض رسم جديد على تلك السلعة التى تم فرض رسم عليها إلا بعد مرور عامين، والعامان لم يمرا لكن كل شىء فى مصر على استعداد أن يمر، فالقاعدة الرأسمالية تقول «دعه يعمل دعه يمر»، وقد شربنا المُر.
والله الذى نفسى بيده يا رئيس الجمهورية.. أنا وكل الغلابة خصومك يوم الدين إن لم تصحح الأوضاع.