نظراً لأننا اعتدنا الكذب والخداع كثيراً فى حياتنا اليومية، فمن الصعب علينا تقبل أى شىء دون فرض نظرية المؤامرة، ونظراً لأننا نفترض كل ما هو سيئ ونستبعد كل ما هو طيب، فإننا نتجه فوراً إلى التشويه وإهالة التراب، كل هذا وغيره تعرض له محمد صلاح على مدى الأيام القليلة الماضية عقب خروجه مصاباً من مباراة مصر وغانا، وخرج نقاد ورياضيون يكيلون الاتهامات لمحمد صلاح وكلها تدور حول افتعاله الإصابة حتى يلحق بفريق ليڤربول فى إنجلترا لاستكمال مباريات الدورى الإنجليزى، حتى إنهم ساقوا ما قاله يورجين كلوب مدرب ليڤربول من أنه يتمنى لو خرجت مصر مبكراً من البطولة حتى يلحق «صلاح» بمباريات فرقته!
بل إنهم اتهموا «صلاح» بأنه لم يكمل مشاهدة المباراة مع بقية زملائه، حتى ظهرت تسجيلات الڤيديو التى توضح مدى متابعته وتوتره وحزنه، ثم مؤازرته لفريق مصر خلال مباراة مصر والرأس الأخضر بكل خلجاته، ونزوله إلى الملعب بعد المباراة ليحتفى مع بقية زملائه بنتيجة صعبة ما كانت تليق بتاريخ مصر الرياضى، ولم يكتف بكل هذا بل صافح لاعبى الفريق الآخر وجهازه الفنى والتقط معهم الصور بكل ترحاب ورقى.
الحقيقة أن هذا الرجل يتحمل فى بلده ما لم يتحمله أحد، فهو دائماً فى موضع اتهام وشك، فهناك من يردد أن أداءه فى الخارج يختلف كثيراً عن أدائه مع الفريق المصرى، ولا يلتفت أحد هنا أن «صلاح» حين يشارك فى فريق إنجليزى كبير هو يشارك فى منظومة متكاملة جادة تجتهد وتعمل، وكل لاعب فيها يقوم بدوره على أكمل وجه، وبالتالى فإن «صلاح» هو شريك فى هذا العمل المتكامل، وقد دخل هذه المنظومة كأى مصرى ينجح فى الخارج ولا يستطيع أن يفعل المثل فى منظومة بلده التى يكتنفها الكثير من الأخطاء، لهذا حين يلعب مع الفريق المصرى يجسد لنا الحالة الحقيقية للفريق، الذى تحيطه السلبيات بداية من المدرب الذى من المؤكد أن مصر تمتلك من هو أمهر وأجدر منه كثيراً، والذى يتحمل مسئولية الفريق كاملة هو وجهازه الفنى، إلى منظومة الرياضة بكاملها، وحتى مستوى اللاعبين ومدى جديتهم، كل هذا يصطدم به محمد صلاح ثم عليه بعد كل هذا أن يمسك بعصا سحرية لينقذ الفريق المصرى من كل سلبياته، دون النظر لكل الأخطاء التى تتغلغل فيه!
ماذا تفعل لو كنت مكان محمد صلاح، وأنت لم تجد فرصتك الحقيقية فى بلدك؟ بل لم يعرفك أحد به إلا بعد أن انتقلت إلى العالمية وأصبح اسمك ملء السمع والبصر؟ وماذا تفعل لو كنت منذ ذاعت شهرتك والاتهامات تلاحقك بالانتساب إلى جماعة الإخوان حيناً، والتعالى حيناً ثم الكذب والهروب أخيراً؟ هل يمكن لهذا الرجل أن يظل وفياً لهذا الشعب الذى ينتمى إليه والذى ظل محافظاً على صلته ووفائه له رغم كل ما لاقاه من ظلم فى بداية حياته الكروية حتى يومنا هذا؟
حتى لو كان محمد صلاح يريد الكذب ما كان يستطيع أن يكذب، لأنه يعيش فى بلد لا تختبئ فيه الحقيقة إلى الأبد بل تظهر سريعاً مهما كانت شعبيته ومهما كانت مكانته، بل هو يعرف أنه كما أن له معجبين ومحبين فإن له أعداء يمكن أن يبحثوا وراءه ويثيروا حوله الزوابع ويكشفوا الحقيقة، وهو فوق كل هذا إنسان قوى ذو أخلاق راقية، ويوم يريد ألا يشارك فى بطولات الفريق المصرى فإنه سيعلنها وسيعلن الأسباب التى دفعته لما فعل.
إن تلك الحملة المسعورة التى استهدفت نجم مصر الغالى محمد صلاح هى حلقة فى سلسلة التنكيل به وبتمسكه بانتمائه لمصر، وهى حملة حقد أكثر من كونها حرصاً على مصلحة مصر وصورتها. وهذا ما يجب أن ننتبه له ولا ننساق إليه، حتى لا نفقد كل بارقة أمل وكل نموذج مشرف فى هذا الوطن.