بعيداً عن أفكار شاذة تُطرح فى بلادى لتقنين بيع حشيش لمجتمع نصفه أمى يعانى البطالة وتدنى الأخلاق وغياب الرؤية التعليمية، وخلع حجاب فى ميدان تحرير ملّ منا ومن تظاهراتنا، حينما لم يجد منا إقبالاً على عمل ورغبة فى تغيير حقيقى، بعيداً عن تفاهات الأحاديث تلك، تفرض عاصفة الحزم، ومستجدات الأمر فيها نفسها علينا لندرك ما يحيط بنا وحولنا. خاصة أن خبراتنا كعرب تعيسة مع العواصف. فعاصفة الصحراء الأمريكية لم تمنحنا سوى قواعد أمريكية فى الخليج، وزيادة إحكام السيطرة على المنطقة وتدمير وتقسيم بلد عربى كبير كالعراق ما زال يدفع من سنتها -على مدى 24 عاماً- ويلات العاصفة.
نتوقف عند القرار الأممى الصادر يوم الثلاثاء الماضى باعتبار «الحوثى» ونجل على عبدالله صالح مطلوبين دولياً، وتعامل دول الخليج مع القرار بوصفه دعماً دولياً لعاصفتها على اليمن، فروسيا التى عارضت القرار فى السابق ولوّحت باستخدام حق «الفيتو» عليه امتنعت عن التصويت، وهو ما يعنى أن جهوداً عربية غير عادية بُذلت لمنع تقويض القرار من قبَلها. وهو ما يعنى تحييدها لبعض الوقت، حفاظاً على مصالحها مع دول المنطقة وفى مقدمتها مصر التى تشارك فى العاصفة بقوات بحرية وجوية، وقد يتطور الأمر لتدخل برى إن لزم الأمر.
وهو ما ينقلنا إلى النقطة الثانية الخاصة بزيارة وزير الدفاع السعودى للقاهرة مساء ذات يوم إصدار القرار دون إعلان مسبق عن الزيارة ولقائه بالرئيس السيسى ووزير الدفاع الفريق أول صدقى صبحى، وبحث المشاركة فى مناورات عسكرية تجرى على الأرض السعودية بمشاركة مصرية - خليجية. وهو ما يعنى أن المملكة العربية السعودية بدأت التحرّك، مستندة إلى القرار الأممى لتوسيع مجال عاصفتها الحازمة. وفى ظل تلك المعطيات المستجدة يجب ألا ننسى عدداً من الحقائق فى تلك القضية العاصفة بأمتنا.
أن الصراع فى المنطقة بات مباشراً بين تطلعات الملالى المدعومة أمريكياً فى طهران، والمخاوف العربية الغاضبة فى مصر والخليج من تمدُّد هذا النفوذ الساعى لفرض حرب طائفية عنوانها المذاهب الدينية، وباطنها السيطرة الإيرانية على المنطقة، التى لم تضع وقتاً فى إظهار سيطرتها وقدراتها على تهديد الدول العربية ككل. خذ مثلاً قرار البرلمان الباكستانى بعدم المشاركة فى العملية العسكرية ضد الحوثيين، رغم المعروف عن المساعدات الاقتصادية السعودية لباكستان منذ سنوات مضت، لكن يبقى لزيارة وزير الخارجية الإيرانى مؤخراً إلى إسلام آباد أثرها الأكبر فى اتخاذ القرار، ملوحاً بإمدادات النفط والورقة الاقتصادية، ومحذراً من مغبة تورُّط باكستان فى حرب ستدفع ثمنها، خاصة فى ظل طائفية الجيش الباكستانى ووجود 20% من الشيعة داخله. ولذا آثرت باكستان القابعة على جمرة انقلابات، السلامة.
خذ مثلاً آخر لظهور حسن نصر الله على شاشة التليفزيون الحكومى اللبنانى، لا على شاشة قناته «المنار» وتهديده السعودية بشكل مباشر وحاد بالقتال. وخذ مثلاً عملية مقتل 15 عنصراً أمنياً مصرياً فى الشيخ زويد يوم الأحد الماضى بتمويل تراه المصادر الأمنية إيرانياً لإثبات نظرية اليد الطولى لإيران. ولا تنسى زيارة «أردوغان» إلى طهران، طامعاً فى زيادة حجم التجارة معها ليتخطى حاجز 30 مليار دولار هو حجم صادرات تركيا إلى إيران اليوم. إذن تفرض المصالح كلمتها فى تلك الأزمة وتنبئ بتسارع وتيرة الأحداث فى المرحلة المقبلة بشكل يتناسب ووصف العاصفة.
الجميع الآن فى مُفترق طرق، العرب فى صراع سياسى للحفاظ على المنطقة التى قسمها تخاذلهم ودفاعهم عن عروشهم منفردين فأُكلوا منذ سنوات. وإيران تتيه بقوة تأثيرها دون إدراك منها أنها وسيلة لمواصلة لعبة «السنة والشيعة الأمريكية» لإحراق ما تبقى فى المنطقة، وأمريكا تلوح بأن الاتفاق المبدئى مع إيران حول ملفها النووى قد ينتهى إلى لا شىء إن أضرت إيران بمصالح أصدقاء أمريكا فى الخليج، بالطبع تعنى مصالحها. ومصر تدافع عن أمنها القومى وارتباطاتها العربية فى مرحلة حرجة ستضطر فيها إلى إرسال قوات برية تحت أى مسمى. نعم مفترق طرق لا يمنح الكثير من الاختيارات، لكن يفرض علينا التعامل بجميع أوراق اللعب مخابراتياً وعسكرياً وسياسياً. اللهم لطفك بنا.