أعلن مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع مجلس الوزراء الحربى مع رؤساء المجالس المحلية، الذى عُقد فى بئر سبع، أن الحرب على «حماس» فى قطاع غزة قد تستمر حتى عام ٢٠٢٥، وهذا ما كان متوقعاً منذ أول يوم، وقد بدا هذا الاتجاه الذى يتجه «نتنياهو» وحكومته نحوه، ليس للقضاء على جماعة حماس، ولا حتى للقضاء على الفلسطينيين، ولكن للبقاء أطول فترة ممكنة فى كرسى الحكم، الذى إن تركه فى مثل هذه الأحوال فإنه يعلم جيداً أن مصيره مشئوم ومستقبله السياسى قد انهار، والمحاكمات بتهم الفساد تنتظره، ولم يبق سوى تطويل أمد الأزمة فى محاولة يائسة للخروج بأية مكاسب، أو المراهنة على حدوث معجزة تنقذه من مصيره المحتوم.
لكن الأهم هو مناسبة تلك التصريحات، وهو لقاؤه مع رؤساء المجالس المحلية، الذى ناقش فيه الموافقة على مراجعات وزارة الدفاع لتوفير مساعدات مالية للإسرائيليين المستعدين للعودة إلى المناطق التى تم إجلاؤها والممتدة من أربعة إلى سبعة كيلومترات والمتاخمة لحدود غزة، لكن رؤساء المجالس المحلية الذين اجتمعوا مع «نتنياهو» أبلغوه أن معظم سكان هذه المناطق لا يرغبون فى العودة بسبب المخاوف الأمنية، وطالبوه بتأجيل العودة أو تمديدها حتى نهاية الصيف القادم، وأن تستمر «تل أبيب» فى تمويل إقامتهم فى مساكن مؤقتة حتى ذلك الحين، وهو ما يعنى أن جزءاً لا بأس به من الشعب الإسرائيلى قد أصبح مهجراً بالفعل.
منذ أيام قليلة قام شاب فلسطينى فى منطقة رعنانا فى أطراف تل أبيب بطعن سيدة إسرائيلية واستولى على سيارتها ودهس عدة أشخاص، ما تسبب فى إصابة ١٣ شخصاً، حدث هذا رغم كل الاحتياطات الأمنية، ورغم امتلاك إسرائيل كل وسائل التنكيل والظلم، ورغم تجريد الفلسطينيين من كل أسلحة المقاومة، لكن ستظل نار الظلم مشتعلة تبتكر فى كل يوم وسيلة للغضب والعنف الذى سيُفشل أى محاولة لاستقرار المجتمع الإسرائيلى، وهذا هو الدرس الحقيقى الذى لم يتعلمه الإسرائيليون حتى الآن. هذا الدرس تعلّمه قادة إسرائيل القدامى الذين أظهروا -سواء عن قناعة أو لمواءمات سياسية- رغبة فى السلام، ولعيش مجتمعهم فى سلام، وهم يعلمون جيداً أنهم لن يعيشوا فى سلام بغير الشعب الفلسطينى، من هنا كانت اتفاقيات السلام التى على أثرها استعادت مصر كامل سيناء، ثم اتفاقية أوسلو فى سبتمبر ١٩٩٣، لإعلان المبادئ، وقد وقّعها ياسر عرفات ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية وإسحاق رابين، والتى اعترفت فيها المنظمة بإسرائيل، ثم اتفاقية وادى عربة بين إسرائيل والأردن فى أكتوبر ١٩٩٤.
وكان من الممكن بالفعل أن تكون هناك فرصة كبيرة للسلام الذى تأخر كثيراً عن الرحلة التى بدأها الرئيس السادات، ولكن السياسة الإسرائيلية المتغطرسة، وما شهدته الدول العربية من انهيار فى أعقاب ما سمى بالربيع العربى، قد وضع إسرائيل على الساحة منفردة، واعتقدت أن الاستقواء والتنكيل بالفلسطينيين سيحكم قبضتها فى ظل ضعف عربى وتراخٍ فى قادة السلطة الفلسطينية، ودعم دولى دائم لإسرائيل.
ما نراه اليوم فى إسرائيل من تهجير سكان المناطق المتاخمة لغزة، وما حدث فى «رعنانا» مؤخراً يؤكد أن الحياة لن تعود فى إسرائيل كما كانت، وأن حلم السلام والاستقرار للإسرائيليين قد تلاشى تماماً، وأن الشعب الفلسطينى لن يرضى بأقل من دولة حقيقية، وبالتالى فإن الإسرائيليين يحتاجون قيادة جديدة تسعى للسلام وتدرك أنه لمصلحة إسرائيل قبل أن يكون لمصلحة الفلسطينيين، هذا إن أرادوا البقاء على قيد الحياة.