تعلمون: الثورة (علم تغيير المجتمع).
والأيديولوجيا (علم الأفكار).
وأى حزب سياسى حقيقى هو تعبير عن مصالح اجتماعية معينة، تعبر عنها أيديولوجيا (أفكار نظرية/ رؤية).
وهذه الأفكار من جهة، تنطلق من فلسفة أو منهج وقوانين عامة، ومن جهة ثانية تطبق على واقع معين، فينتج برنامج سياسى واجتماعى وثقافى محدد. برنامج «مطلبى»، يحدد نقاطاً يراها أصحابه ضرورية، يحتاجها الواقع اليوم ويتطلبها بإلحاح، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.
ولذلك فإنى أعجب دائماً من نوعين من المحاولات العبثية: النوع الأول قيام أحزاب بدون أيديولوجيا (أى أفكار نظرية أساسية)، كما نرى مع الأسف فى الأغلبية الساحقة من عشرات الأحزاب الحالية، والنوع الثانى قيام أحزاب «تجمع» معاً المنتمين إلى أكثر من أيديولوجيا أو نظرية!
وقد حدث هذا النوع الثانى مبكراً، فى السبعينات الماضية، فى حزب (التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى)، الذى أسسه المناضل الكبير خالد محيى الدين، حينما أقيم باعتبار أنه يجمع بين المنتمين إلى تيارات وأيديولوجيات (الماركسية، والناصرية، والتيار الإسلامى المستنير).
ويحدث هذا اليوم مجدداً، بعد ثورة 25 يناير، فى حزب (الدستور)، الذى أسسه المعارض الكبير محمد البرادعى.
وقد تعثرت وسوف تتعثر بشدة تلك التجارب التنظيمية، وكل ما يماثلها، لأنها قامت على نفس هذه الفكرة المستحيلة، وهى ضم تيارات وأيديولوجيات فى إطار تنظيمى واحد.. وكنت دائماً أعجب من المقولة، التى صحبت حزب «التجمع» طويلاً، وجعلها أصحابه شارة وبشارة: «البوتقة التى ينصهر فيها الجميع»!
كيف مثلاً أجد فى حزب واحد، هو (الدستور)، قيادياً ومفكراً بارزاً ينتمى إلى الأيديولوجيا الناصرية قلباً وقالباً هو د.حسام عيسى، جنباً إلى جنب مثقف بارز يسارى بالأمس ليبرالى اليوم لكنه فى الحالين رافض للناصرية إلى حد المعاداة أو المقت الشديد هو د.عماد أبوغازى؟!
كيف «ينصهر» حقاً أمثال هؤلاء فى «بوتقة واحدة»؟!
الحق أنه لا يمكن أن يوجد شىء اسمه حزب، أو تنظيم واحد، يمكن أن يجمع بين أمثال هؤلاء المتباينين، المتناقضين.
ما الحل؟
نحن لا نخترع العجلة أو الكهرباء من جديد! وكما أنه فى العالم كله يوجد مفهوم «الحزب» الذى لا خلاف عليه، توجد أيضاً صيغة «الجبهة» التى لا خلاف عليها. هذه مفاهيم موضوعية علمية باتت مستقرة.
(الجبهة) وحدها هى التى يمكن أن تضم: (أحزاباً، وتنظيمات، ونقابات، أو حتى جمعيات وتجمعات وشخصيات عامة)، تختلف فى الرؤية والأيديولوجيا كما تختلف، ولكل منها برنامجها الخاص، لكن يجمع بينها، فى إطار صيغة الجبهة، برنامج واحد مشترك للجبهة. ولا يوجد تعارض على الإطلاق بين أن يكون لكل منها البرنامج الخاص المتميز، إلى جانب برنامج الجبهة العام المشترك.
إننا ندعو كل القوى والأحزاب والشخصيات التى تنتمى إلى مفهوم الدولة الوطنية الحديثة المدنية، المؤمنة بأهداف ثورة يناير (الحرية، الكرامة، العدل الاجتماعى) إلى الانضمام معاً فى جبهة واحدة قوية ذات برنامج واحد، من دون أن يتعارض ذلك مع بناء كل تيار لحزبه، والعمل على تقوية هذا الحزب، فقوة كل من الأحزاب والجبهة تدعم الأخرى.