«فانتازيا الروبابيكيا»

كتب: ابتسام مصطفى

«فانتازيا الروبابيكيا»

«فانتازيا الروبابيكيا»

روبابيكيا قديمة للبيع.. كثيراً ما نسمع هذه الجملة الدارجة لبائعى الروبابيكيا، وفى الغالب يأتى هذا الرجل كل جُمعة يذيع فى مُكبر الصوت «يـا اللى عاوزة الروبابيكيا القديمة للبيع».. وفى هذه اللحظة يستعد كل من لديه أى حاجة قديمة سواء كتب، أدوات منزلية، أجهزة كهربائية، وغيرها من الأشياء، ويبدأ فى إرسالها لهذا البائع مُقابل القليل من المال.. وبذلك تَخلّص من -الكراكيب- التى كانت تملأ منزله، ويستفيد بائع الروبابيكيا من هذه الأشياء التى لا يعرف قيمتها أصحابُها أو أنها لم تعُد مهمة بالنسبة لهم فى الوقت الحالى، ويرسلها بعد ذلك إلى أماكن خاصة تُعيد استخدام هذه الأشياء.. هذا هو مبدأ -الروبابيكيا- أن نترك الكثير من الأشياء القيمة فى حياتنا لمجرد أننا لم نعُد نحتاج إليها رغم ما بها من قيمة، ونتركها وراءنا غير مهتمين بها، ولكنها فى الوقت نفسه مهمة لأشخاص آخرين يقدرون قيمتها.. هناك الكثير من القيم والمشاعر اندثرت فى حياتنا، والعديد من الصناعات التُراثية لم يعد لها مكان أو اهتمام من أحد، وأيضاً هناك أشخاص نتركهم وراءنا لأنهم لم يعودوا مهمين لنا، ولا نكترث بهم أو بمشاعرهم. ومصطلحات تركناها؛ لأنها أصبحت موضة قديمة، وكُتب مفيدة وقيّمة رميناها ونحن غير مهتمين حتى بها. الروبابيكيا مصطلح حين يُذكر تُذكر معه الأشياء القديمة والتى نساها الزمن مع مرور الوقت وتناساها الإنسان نتيجة للتطور التكنولوجى، فقط تخيلوا أن حتى المشاعر الإنسانية أصبحت فى تِعداد الروبابيكيا، تخيل معى شعور الحب والأمان.. الآن نظرة الكثيرين للحب بأنه «عيشلك يومين وفُك بعدها»، وهذه لغة شبابية بحتة ومؤثرة فى الوقت نفسه -هكذا يقولون- وأصبح من المألوف أن مشاعر الحب بين الأفراد فى طريقها للاندثار تدريجياً والاختفاء على المدى البعيد. «الحب أصبح Old Fashion» يُغير جِلده من وقت لآخر وهكذا الشعور بالأمان.. ونلاحظ أيضاً أن صِناعات كثيرة، مثل صناعات خان الخليلى، أصبح يُنظر لها نظرة مختلفة، نظرة أنها صناعات مضى عليها الزمن وفى طريقها للاختفاء، على الرغم من أن صناعات خان الخليلى تدُل على بقاء التُراث واحترامه وتقديره، وتدل على الروح الإبداعية لأصحاب تلك الصناعات، والكثير من الصناعات الأخرى التى غابت عن الساحة فى السنوات القليلة الماضية نتيجة التطور التكنولوجى الكبير.. ومن المعروف أيضاً أن الكُتب هى الأُخرى أصبحت ضمن قوائم الروبابيكيا؛ الكُتب التى تُعتبر كنزاً ثميناً لكثير منا، إلا أنه توجد فئة من الأفراد لا تُقدر هذه القيمة العلمية والمعرفية، حيث نُلاحظ الكثير من الكتب تُرسل إلى تُجار الروبابيكيا، وبدورهم يرسلوها إلى «سور الأزبكية» هذا المكان الملىء بالكتب المُستعملة لكل محبى القراءة والاستطلاع وبأسعار زهيدة جداً. هـذه دعـوة لتعطوا الفرصة لأنفسكم لتعيش رحلة إلى الروبابيكيا، رحلة للكثير من الأشياء التى غطاها تُراب الزمن وغفلت الأعين عن رؤيتها، رؤية أخرى لعادات وصناعات وكُتب وأشياء وأشخاص أصبحوا فى عداد الاختفاء، قد تكون انتهت صلاحيتهم بالنسبة للبعض، لكنهم أصبحوا مُهمين لأشخاص آخرين يحتاجون إليهم ويعرفون قيمتهم.. لفظ «الروبابيكيا» هو رمز لما فات، تاريخ قد مضى عند البعض، أعيدوا النظـر فى كُل شىء حولكم وألقوا الضوء على ملامح الحياة التى أصبحت كراكيب ليست مهمة، وحينها ستستشعرون أن من لا ماضى له لن يكون له حاضر ولا مستقبل..