«الوطن» تعيد نشر حوار مع الشاعر شوقي حجاب بعد وفاته.. كيف كانت طفولته؟
الشاعر الراحل شوقي حجاب
توفي منذ قليل الشاعر الكبير شوقي حجاب، عن عمر يناهز 77 عاما بعد صراع مع مرض السرطان، و«الوطن» تعيد نشر الحوار الذي أجرته معه، ويتحدث فيه عن نشأته في قريته المطرية دقهلية وعلاقته بشقيه الراحل سيد حجاب وذكرياته مشع شهر رمضان حيث أجري الحوار معه في رمضان 2017.
وإلى نص الحوار:
في قرية المطرية بمحافظة الدقهلية، بلد الصيادين البسطاء، الواقعة على نهاية بحيرة المنزلة، ولد الشاعر الكبير شوقي حجاب، الذي يتذكر تفاصيل شهر رمضان وطقوسه الخاصة في بلدته، ولأن البلدة لم تكن دخلتها الكهرباء بعد، فالمغرب يعنى الظلام ونادراً ما يجد الأهالي وسائل إنارة مثل الكلوبات ولمبات جاز في الشوارع معظم أيام السنة، أما قبل دخول شهر رمضان بنحو أسبوع فإن معالم الشوارع تتغير تماماً، استعداداً للشهر الكريم.
يتذكر حجاب مظاهر الشهر الكريم فيقول: «قبل دخول شهر رمضان بنحو شهر كنا نرى إقامة الأفران المستديرة التي تعلوها صواني على نفس هيئتها، لعمل الكنافة البلدي، كانت الأفران تبنى أمام محال الحلويات، وكانت تعمل بالوقود البدائي الذي يعتمد على الخشب القش والحطب».
أفران الكنافة وطلعة المحمل وليلة الرؤية ذكريات لا تنسى
ينتهي إعداد أفران الكنافة مع نهاية شهر شعبان، وقتها تستعد المطرية كلها لرؤية هلال شهر رمضان، يتزامن ذلك مع «طلعة المحمل»، وهى احتفالية كانت تقام في مصر ابتهاجاً بخروج كسوة الكعبة إلى مكة المكرمة، وعلى الرغم من أن المحمل كان يخرج من القاهرة إلا أن كل مدن وقرى مصر كانت تنظم الاحتفالات الخاصة بهذه المناسبة، وبشكل شبه منسق فيقوم كل صاحب مهنة بالمشاركة في الاحتفالية بطريقة مختلفة، تخرج فيها عربات اللوري ملونة بألوان ورسومات مختلفة تدل على مهنة أصحابها، فمثلاً الصيادون تكون عربتهم مرسوماً عليها مراكب، أو على شكل محل بقالة، أو على شكل فرن كبير، وهذه العربات تخرج لتدور في الشوارع على شكل زفة كبيرة يصفها حجاب بقوله: «كانت مباراة بين الصنايعية في تلبيس اللوريات بمظاهر البهجة، كنا نقول عليها الشحنة، الزفة جوالة فوق اللوريات عبارة عن موسيقى بآلات نحاسية وأغان شعبية خاصة باستقبال الشهر، وكنت أشارك أصدقائى الاستعداد والفرح بالاحتفالات».
ذكريات شوقي حجاب في شهر رمضان
ومع بداية شهر رمضان يزور حجاب بائعة الطرشي البلدي المقطع بطريقة مضلعة، كانت جميلة، وكان اسمها الحاجة أمارة: «كنت أربط بين اسمها أمارة وبين هلال رمضان، فكان هناك تفاعل نفسى ولغوى عندى بين الاسم وهلال رمضان، خصوصاً أنها بيضاء البشرة ووجهها مستدير بسنة ذهب نتفاءل بها جميعاً، والطرشي طقس ثابت يؤكل في الإفطار والسحور ويبيعه بائع بنداء منغم: ملو الصحن بمليم، وكلها مظاهر مبهجة تعطى إحساساً بالبهجة».
اشتغلت في السيرك وعمرى 11 سنة.. وكنت أتدرب على الجمباز وأقف على يد واحدة
وتبدأ أيام الصيام، يتذكر حجاب الوقت قبل انطلاق أذان المغرب: «كان عندنا طبلة الإفطار، حين تنطلق يغني الأطفال افطر يا صايم على الكعك العايم، ويجري الأطفال إلى أهاليهم ليعرفوهم أن المغرب أذن»، وفي السحور يتذكر حجاب أن المسحراتي كان ينادي على أطفال القرية بالاسم، وقبل الفجر كان عامل المسجد يصعد ليعلن الإمساك بكلمة «ارفع»، وبين الإفطار والسحور، يحتفل الطفلان شوقي وسيد حجاب، وغيرهما من الأطفال بشكل فولكلورى من الخيالات: «كنا نتجه إلى عالم من العفاريت، وتخويف الناس، نعمل مقالب، وبعد صلاة التراويح كنت أقود الأطفال في لعبهم، كأنى زعيم عصابة شرير، ومستمتع بعمل المقالب في الناس».
وحين جاء السيرك إلى القرية الصغيرة، كان الطفل شوقي عمره 11 سنة: «كنت في الأصل أتدرب على الجمباز على يد عبدالمنعم سند ضمن مجموعة من الأطفال، حاولت أن أستعرض مهارتي أمام صاحب السيرك فكنت أقف على يد واحدة وأمشى بظهري، لأعمل في السيرك المتجول، فعرض صاحب السيرك علىَّ الشغل معهم، فقلت له: هتدفع كام، قالي 3 صاغ، أي ثلاثة قروش، في الحفلة الواحدة، وكان وقتها رقماً كبيراً، فمصروفي كان تعريفة أي نصف قرش، وكنت أشترى كل يوم بأجرتي حلاوة طحينية»، هكذا أصبح «شوقي» لاعباً في السيرك دون علم أهله.
انتشر الكلام أن ابن الشيخ أحمد حجاب يلعب في السيرك وأصبح بهلواناً: «أبي لم يعترض، لكن أمي التي تحمل عرقاً تركياً وفيها شمخة اعتبرت أن هذا عيب كبير فاعترضت بقوة، وعاقبتني بوضع الشطة في فمي فلم تكن عقوبة الضرب موجودة عندنا»، ورغم أن شوقي كان أصغر من شقيقه الشاعر سيد حجاب بست سنوات، إلا أنه كان الكبير من حيث الأصدقاء: «أطلقنا على بيتنا بيت الأمة، وكنا نستقبل فيه كل الناس، فالبيت في وسط البلد كان مفتوحاً للجميع، صلاح وسيد حجاب وسعاد حسني التي كانت جزءاً من حياتي، ونجوى إبراهيم التي اشتغلت معها كثيراً، وتحية كاريوكا وصلاح جاهين وبليغ حمدي، وفاروق الفيشاوي، وعمار الشريعي وسيد مكاوي، وسيمون، وسامح الصريطي، كنا نفطر معاً في بعض الأحيان، أو نلتقى بعد الإفطار، وأحياناً كنا نذهب في مجموعة إلى الحسين، وأحياناً كنا نذهب إلى سعاد حسنى وزوجها المخرج على بدرخان، أو إلى معالي زايد».
شوقي حجاب وعلاقته بشقيقه سيد حجاب
ينتقل شوقي حجاب للحديث عن شقيقه سيد، فيقول: «نحن قرويون، والكبير كبير حتى لو أخطأ، وعشنا هكذا إلى آخر يوم في عمره، وسيد كان موجوداً وبضراوة قبلي، وكشعراء كنت حريصاً على ألا أشبهه كشاعر، وركزت في الكتابة للأطفال ودخلت معهد السينما كي أكون مخرجاً، وحرصت على ألا أكون تابعاً لشاعر، قاصداً التميز والاختلاف عن شقيقي سيد حجاب، إضافة إلى حبي للكتابة للأطفال بشكل خاص».
سنوات طويلة مرت على فترة الطفولة والشباب، كانت كافية لأن تغير المطرية بصورة كاملة: «تغير كل شيء فيها، أصبحت زحمة وضوضاء وتديناً مفتعلاً غير حقيقي، الحجاب كان في الماضي للطبقات الدنيا فقط من النساء، ولم ينتشر بهذا الشكل إلا قريباً، فقد كان أبي أزهرياً، وأمي تحفظ القرآن لكن كانا بعيدين عن مظاهر التدين الشكلي الذي نجده هذه الأيام».