لعلك لاحظت أن وسائل الإعلام المغرضة والمعادية تشن حملة قوية ضد الغارات المصرية على «داعش» فى الأراضى الليبية، وتكيل الانتقادات للجهود التى حاولت القاهرة بذلها لاستصدار قرار أممى بتدخل عسكرى فى ليبيا.
لقد اشتركت كل تلك الوسائل، ومعها ترسانة من الكتّاب والمحللين المعروفين بعدائهم لمسار «30 يونيو» والدولة المصرية فى انتقاد غارات سلاح الجو المصرى، والبكاء على أرواح «الأطفال» والمبانى المهدمة، والدعوة إلى «حل سياسى» للأزمة الليبية، بما يعنى من وجهة نظرهم طبعاً إبقاء الوضع على ما هو عليه، ودور أكبر لـ«داعش»، والتنظيمات التكفيرية المتحالفة معه، و«الإخوان».
بل إن بعض هؤلاء الكتّاب والمحللين الذين سبق أن جرّحوا الجيش المصرى، وحرّضوا عليه، وشككوا فى قدراته، راح يحذر ملتاعاً من إمكانية أن يكون هناك «فخ» منصوب للجيش فى ليبيا، ولذلك فإنهم ينصحون الرئيس السيسى بـ«عدم الوقوع فى الفخ والتورط فى عمل عسكرى بليبيا».
حتى قطر، التى سبق أن ضربت طائراتها ليبيا، وموّلت «كل من يحمل السلاح هناك» كما قال المسئولون الليبيون، وأيدت تدخل «الناتو» عسكرياً، راحت تتحدث عن «الحل السياسى»، و«احتواء كافة الأطراف»، بل وتحفظت أيضاً على قرار جامعة الدول العربية على المستوى الوزارى بضرورة رفع الحظر عن تزويد الحكومة الليبية الشرعية بالسلاح.
وبعدما كانت فرنسا وإيطاليا أقرب إلى التوجه المصرى باستصدار قرار أممى يسمح بتعامل عسكرى مع الأوضاع المأزومة فى ليبيا، تدخلت الولايات المتحدة وقطر لعرقلة هذا التوجه وإجهاضه، ليتغير موقف الدولتين، ويصبح أكثر اتساقاً مع موقف واشنطن المخزى والمراوغ.
لا أحد بين أعداء الدولة المصرية يريد أن يشهد فعلاً مصرياً مدروساً ومعداً له بشكل جيد حيال ليبيا، ولذلك فإن الحملة على القصف المصرى، والتوجهات نحو عمل عسكرى أوسع، تتصاعد حدتها، والحجج التى يتم استخدامها تبدو مرتبكة وهزلية إلى أقصى درجة ممكنة، إلى حد أنها تتضمن «حماية الجيش المصرى» نفسه.
تفرض ليبيا على مصر تحدياً كبيراً لا يقل خطورة عن التحدى الذى تفرضه «داعش» والجماعات التكفيرية فى شمال سيناء، ولا التحدى الذى يفرضه إرهاب تنظيم «الإخوان» وحلفائه فى الداخل، وهو أمر يدفع القاهرة إلى ضرورة التجاوب معه، وإيجاد الحل الناجع لمواجهته.
وإذا كانت ليبيا تمثل خطراً على مصر، فهى تمثل فرصة فى الوقت ذاته، وإذا كانت عناصر الخطر الذى تفرضه ليبيا تتمثل فى إغراق مصر فى الفوضى وشل الدولة وإفشالها عبر الإرهاب الخارجى والداخلى، فإن عناصر الفرصة تتمثل فى إحباط ذلك الخطر من جانب، وتحقيق مكاسب إضافية كبيرة من جانب آخر.
أفضل ما يمكن أن تفعله مصر فى هذا الصدد أن تستصدر قراراً أممياً يسمح لها بالتدخل وفق خطة مدروسة مع شركاء دوليين لضبط الأوضاع فى ليبيا، كما يمكن أيضاً أن يتم ذلك عبر مظلة عربية متماسكة وقوية تتجاهل التحفظ القطرى والتونسى والسودانى أو تطوعه.
وفى حال الإخفاق فى الوصول إلى أى من الحلين السابقين، فعلى مصر أن تبادر إلى التصرف بدعم ومشاركة سعودية وإماراتية، لأن توسيع الفعل المصرى حيال ليبيا ينطوى على فرص كبيرة تستحق أن نعمل من أجلها، ومن تلك الفرص بطبيعة الحال إجهاض التدبير الإرهابى «الداعشى- الإخوانى»، واستعادة الثقة فى الدولة وقدرتها وقوتها الصلبة، وتخفيف الضغوط الداخلية، ورفع الروح المعنوية، وامتلاك ورقة تسمح لنا بالتفاوض حول مستقبل ليبيا والمنطقة، وتعزيز نفوذنا السياسى والاقتصادى هناك.
فى كل تحرك عسكرى لأى دولة من الدول يمكن أن تجد المخاطر والفرص، وأى عمل عسكرى يمكن أن تكون نتيجته الربح أو الخسارة، لكنك بالتأكيد لن تربح أبداً إذا أنت تجنبت القيام بأى عمل، وقد تأتيك الخسارة لأنك أحجمت عن التحرك يوم كان التحرك ضرورة.
إذا كان أعداء الدولة المصرية يُبدون كل هذا الهلع من التحرك المصرى الأخير حيال ليبيا، فبالتأكيد أن هذا التحرك إيجابى، ومن الضرورى تطويره والبناء عليه.