"الوطن" تقتحم مصنع حلويات وتكشف تفاصيل استخدام "جيلاتين الموت"
فى إحدى مناطق الجيزة، وفى شارع مشهور جداً.. كانت الرحلة الخطرة إلى أحد المصانع السرية الذى يقوم بتصنيع الحلويات، على اختلاف أنواعها من جيلاتينة الموت.. دخول المصنع لم يكن بالأمر السهل أو المسموح به بطبيعة الحال، فلا أحد يريد أن يفضح نفسه أو يُكتشف أمره، فالتصوير طبعاً ممنوع، وهناك حراس للمكان وكأنه أحد أوكار المخدرات!!، خاصة أن هذا المصنع معروف تماماً لدى كبار أصحاب محلات الحلويات فى المحافظة، وأشهرها «كما يتفاخر العاملون به»، بل إن مصنعهم أصبح يوزّع منتجاته على نطاق واسع فى العديد من المحافظات، وليس محافظة الجيزة فقط!! التحايل كان هو الحل الوحيد للدخول إلى هذا المصنع مع استخدام «كاميرا مخفية»، لكى نتمكن من رصد ما يحدث وتوثيقه بالصوت والصورة، قدّمنا أنفسنا على اعتبار أننا سنفتتح محلاً للحلويات قريباً، ونريد أرخص أسعار وأجود مذاق، وأننا قادمون بواسطة من أحد أكبر محال الحلويات التى تتعامل مع المصنع!
المكان يعج بكل أنواع التلوّث والقاذورات، أوانٍ صدئة، مستلزمات تصنيع لا علاقة لها بـ«ألف باء» نظافة.. أرض رطبة، ورائحة العفن تفوح من المكان.. مما لا شك فيه أن المصنع يعمل دون ترخيص وغير مسجل صناعياً، خاصة أنه لا يوجد أى لافتة على بوابته الحديدية الكبيرة تشير إلى ما يتم تصنيعه خلف هذه الأبواب العملاقة المغلقة دوماً ولا تستقبل أى شخص غريب!
لا شىء يوحى بأن العاملين لديهم أى قلق أو تخوّف من مداهمة مفاجئة لمباحث التموين أو وزارة الصحة! لا شىء يوحى بأن لديهم أدنى شعور بتأنيب الضمير أو التوجُّس بأن ما يقومون به هو عمل غير مشروع، حتى على المستوى الإنسانى، وبأن ما يصنعونه هو الموت بعينه فى قطعة حلويات «مِسكّرة»!
الأرض زلقة بفعل صنبور مياه مكسور.. أفران فى كل اتجاه، وصينيات صاج مرصوصة فوق بعضها البعض.. بعشوائية.. «حلل» وأوانى طهى متعددة الأحجام، يعلو بعضها الصدأ بشكل سافر، والآخر ملقى على الأرض بجانب حشرات تمرح فى المكان بشكل مُطمئن!، «عجّان» ضخم، وعدد لا بأس به من أسطوانات البوتاجاز الكبيرة، فضلاً عن عدد لا نهائى من «الفورم»، أو قوالب التصنيع.. بينما يوجد الجيلاتين المُعبّأ فى الجراكن، ويعلو فوهة أحدها المفتوحة «العفن الأبيض»، نتيجة سوء التخزين فى إحدى الزوايا، تمهيداً لاستخدامه لاحقاً.
على الأرض، وبجانب إحدى البالوعات نصف المفتوحة، توجد أجولة من الدقيق والسميد والنشا، فضلاً عن أجولة أخرى كبيرة من المكسرات الرديئة «سمسم، فول سودانى، جوز هند، لوز»، التى حتماً ستكون منتهية الصلاحية على كل حال! كما تقع فى أحد الأركان «جراكن ملونة»، وحينما سألنا عن محتواها عرفنا أنها مُكسبات طعم ورائحة، يتم استخدامها فى عمليات التصنيع! أما براميل الزيت والسمن الصناعى مجهولة المصدر، فحدّث ولا حرج.
أما الكارثة الحقيقية التى لا يمكن أن يستوعبها عقل أو ضمير فكانت فى وجود العشرات من عبوات المبيدات الحشرية الفارغة بجانب كل هذه المستلزمات الغذائية، مما يصيبك بغثيان مباشر وألم حاد مفاجئ فى معدتك!
بجانب أحد أوانى الطهى الكبيرة، الذى يُسمى بلغة صنايعية الحلويات «أزان»، يوجد برميل معدنى كبير يعلو أطرافه القاذورات، وبقايا مواد مُتكلسة، حيث يحتوى على كمية مهولة من الجيلاتين المُذاب بعد عملية «التسييح»، استعداداً لكى يتم صبه على صوانى الحلويات أثناء عملية التصنيع، وبرميل آخر من «عسل الجلوكوز - وهو عبارة عن شراب الجلوكوز، وليس السكر»، مُحلى صناعى مجهول المصدر، الذى تتم إضافته إلى الجيلاتين المُذاب لإعطاء القوام الكثيف أو «العِرق» اللازم للحلويات.. أما المحصلة النهائية فهى صوانى الحلويات الشهية، التى «تفتح النفس» والمرصوص بعض منها بالفعل، تميداً لعملية التوريد فى ظلام الليل، كما عرفنا!
الكل يعمل فى صمت، وبهمة ونشاط، فلديهم «طلبية كبيرة»، يجب أن تنتهى فوراً قبل حلول يوم 14، يوم عيد الحب كما يقول أحدهم، ضاحكاً «عايزين الناس تلحق تاكل وتتبسط، ما هو ده موسم برضه»!
وفى نهاية المعاينة المأساوية لكل ما سوف نأكله لاحقاً، وهو غير صالح للاستخدام الآدمى.. طلب منا أحد العاملين أن نتذوّق الطعم الفاخر لما يقوم المصنع بتصنيعه كواجب ضيافة، بعد أن قدّم لنا قطعة بسبوسة بيدين ملوثتين بكل أنواع الأوبئة والتلوث وملابس رثة مُتسخة وبدن يسكنه مرضٌ لا تخطئه العين أبداً، لكننا رفضنا بالطبع، لأننا نعرف تماماً مما هى مصنّعة هذه الحلويات! فابتسم وكف عن طلبه، ومليون علامة استفهام فى رأسه عن أسباب الرفض! بينما سكنت عقولنا وقلوبنا غصة حيال أجهزة الدولة المهترئة.. و«سلم لى على جهاز حماية المستهلك وأجهزة الرقابة!».. لكِ الله يا مصر.. لكم الله يا مصريون.. فآخر ما يمكن أن يتوقّعه المرء أن يكون الموت فى قطعة جاتوه أو بسبوسة، والأدهى والأمر أنك تشتريها بمبلغ وقدره، وليس من محلات رخيصة أو باعة جائلين!!