هدأت العاصفة.. ولم تجف الدموع.. فالدماء لا تزال ساخنة.. والتراب لا يشبع.. وفى كل مرة نقول نفس الكلام عن نفس المذابح عن نفس الضحايا.. فلماذا لا يموت المزيد، ما دمنا نشيعهم فى زفة إعلامية كاذبة، وندفنهم فى مقابر العويل والوعود، وكأننا نقلد دفعة تخرجت من الحياة أوسمة صفيح؟!!
نتكلم عن أولئك الذين يخطفهم الموت المجانى، مثلما نتكلم عن خيبتنا فى كل شىء.. فنحن نجيد الكلام على كل المستويات.. الكبير قبل المواطن البسيط.. نتكلم عن ضحايا استاد الدفاع الجوى، نفس الكلام نصاً وحرفاً الذى تقيأناه حين مات شهداء استاد بورسعيد.. وبين الاستادين ألف خيبة وخيبة نعالجها بذات الكلام الذى نلقيه فى مشاهد وتصريحات جوفاء.. ثم نمارس ذات الحياة، استعداداً لدفن ضحايا جدد، وقضايا وملفات وأزمات تموت شهيدة أيضاً لأن أحداً لا يفعل شيئاً لوقف نزيف الأرواح والأزمات..!
كل شأن وأى قضية فى حياتنا تموت وندفنها فى زحمة الكلام.. انظر حولك دون تدقيق أو جهد.. ستجد أن المشهد لم يختلف كثيراً عن الماضى.. مات الكثيرون وفقد آخرون «رزقهم وقوت يومهم» ثمناً لثورة.. ثم ثورة.. ثم أحلام تتبخر يوماً بعد يوم.. ستجد أن الفارق الوحيد والتغيير الأوضح أن مصر ما قبل الثورة كانت «مجمدة» فى ثلاجة الخوف.. الخوف من كل شىء وأى شىء.
نعم.. نحن نخاف التغيير.. ولا نقوى عليه.. ولكننا أيضاً كنا نخاف «عصا» نظام «مبارك».. وحين قامت الثورة.. ودّعنا الخوف.. وظن كل منا أن التغيير يعنى «الانفلات» وأن الحرية هى «الفوضى»، وأن المصلحة الخاصة لن تتحقق إلا بالصوت المرتفع.. ولمَ لا وقد سقط نظام عتيد بالصوت والتظاهر والهتاف؟!
هذه ليست دعوة لإعادة «عصا الخوف».. وإنما هى وقفة مصارحة أمام نخبة تدير الأمور بـ«انفلات».. وشعب عاد و«اشترى دماغه»، وارتضى أن يختزل كل مكاسبه من «الثورة» فى متعة «الفوضى»..!
انظر إلى أحزاب سياسية كان المفترض أن تملأ عقلك ووجدانك بعد «موت الحزب الوطنى».. أحزاب تلعب وحدها فى أرض ممهدة، دون خوف أو قمع.. ماذا فعلت؟!.. فشلت فى الشارع.. وتحولت إلى «ظاهرة صوتية» نكاد لا نرى لها أثراً أبعد من أفواه رموزها.. فشل الساسة فى ملحمة «تحالفات الانتخابات» التى باتت «نكتة الموسم»، ثم صرخوا وذرفوا «دموع التماسيح» من أعين فاسدة «متقرّحة»: الحقونا.. الحزب الوطنى راجع.. أحمد عز جاى.. نواب الماضى يستعدون للسيطرة على البرلمان.. امنعوهم.. احرقوهم..!
يظن قادة الأحزاب والقوى السياسية و«تحالفاتهم» أن الشعب المصرى لا يعرفهم.. يتوهمون أننا نصدقهم.. لا ينظرون إلى «المرآة» كل صباح، لأنهم إن فعلوها سيرون «الفشل والخيبة والفساد» مجسدة «3D».!.
يريد هؤلاء «الأقزام» أن تمنحهم الدولة والشعب مقاعد البرلمان «تمليك» أو «إيجار قديم».. والسبب بمنتهى البساطة أنهم عاجزون عن ملء صناديق الاقتراع بأصوات تؤمن بهم، وتتبنى أفكارهم.. فماذا نفعل إذا كانت «رؤوسكم» خاوية و«قلوبكم» مريضة؟!
سيموت البرلمان المقبل مثلما يموت الضحايا كل يوم.!.. لأن البعض لا يؤمن بسيادة القانون، ويريدها «ملاكى».. من حق أى مواطن مصرى أن يترشّح للبرلمان، طالما يمنحه القانون ذلك.. ومن حق الناخب أن يختار من يشاء.. وإذا كان الرئيس السيسى قال ذلك أكثر من مرة، وأكد أنه لن يتدخّل ولن يمنع أحداً من الترشّح تاركاً مهمة إسقاط رموز النظام السابق للمواطنين.. فإن أنصاف السياسيين وأرباع «النواب» مطالبون بمعاونة المواطن فى تحقيق هذه المهمة.. وإلا فكيف نرضى أن يجلس على المقعد البرلمانى أقل من «نصف سياسى» وأفشل من «ربع نائب»..؟!
شخصياً.. كنت ولا زلت أشرس المختلفين سياسياً مع الحزب الوطنى بقيادته و«مباركه وجماله وعزه وصفوته» وهذا ثابت تاريخياً، إلى حد تهديد «عز» لى قبل الثورة بـ«الثأر الممتد».. غير أننى الآن أشعر بالخجل من حالة الرعب والبكاء والعويل السياسى والانتخابى خوفاً من «نواب حزب» فشل بـ«التلاتة» فى حكم البلد..!
هذا رأيى: إن لم «يسترجل» مرشحو الأحزاب فى الصناديق.. فليأتِ الحزب الوطنى والإخوان.. أو أحدهما ليحكمنا من جديد.. والعار علينا إن لم نلد رجالاً قادرين على إزاحة الاثنين..!