ولاء الجيش للدولة وليس النظام.. و71% من العرب يثقون في قواتهم المسلحة
وتنتقل الدراسة الأوروبية إلى محاولة فهم ذلك الكيان المعقد والمؤثر الذى يحمل اسم المؤسسة العسكرية، وتتساءل: «ما الذى يحرك الجيش؟ لماذا تختار القوات المسلحة أن تتحرك فى لحظة ما، وتختار عدم التحرك فى لحظة أخرى؟ متى يكون لديها القدرة على حسم موقف ما؟ وما الظروف السياسية التى تحكمها؟ ومتى تصاب بالعجز؟ لقد صارت هذه الأسئلة على درجة كبيرة من الأهمية فى فترة ما بعد 2011، عندما بدا أن القوات المسلحة هى الوحيدة القادرة على ترجيح كفة القوى الإسلامية على حساب القوى الليبرالية فى الطريق إلى الديمقراطية، أو العكس، لكن السؤال الأهم هنا هو: كيف صار الشعب ينظر لقواته المسلحة؟ وما الذى صار الجيش يمثله بالنسبة للشعب الآن؟».
وتجيب: «من الصعب تكوين صورة واضحة عن المؤسسة العسكرية، هى مؤسسة تحيط بها السرية بشكل ملحوظ، كما أن آليات عملها، والإجراءات والقواعد الداخلية التى تحكمها، كلها أمور معقدة وغامضة يصعب على المدنيين فهمها أو استيعابها، لكن يمكن القول عموماً إن قرار الجيش بالتحرك، أو عدم التحرك فى ظرف سياسى معين، يتوقف كلية على المساحة السياسية والاجتماعية التى يسمح له المجتمع بالتحرك فيها، إلا أن «نجاحه» فى هذا التحرك من عدمه يتوقف كلية على مدى تنظيمه الداخلى، بعبارة أخرى، فإن السياق الاجتماعى، أو الشعب، يحدد للجيش «هدف» تدخله وتحركه، بينما يحدد تماسك المؤسسة الداخلى «قدرته» الفعلية على تحقيق هذا الهدف».
وتواصل: «لو أن الشعب ينظر إلى قواته المسلحة، ولو أن الجيش أيضاً ينظر إلى نفسه على أنه جزء من تكوين الدولة نفسها كما هو الحال مع الجيش المصرى، إذن لن يجد الجيش صعوبة فى أن ينأى بنفسه عن أى حكومة أو نظام حكم قائم، على العكس مثلاً من الوضع فى سوريا التى يعتبر الجيش فيها إحدى أدوات النظام الحاكم، وليس جزءاً من الدولة نفسها، بالتالى يربط الجيش السورى بين استمراره وبقائه، وبين استمرار وبقاء نظام الحكم الذى يحميه، فى مثل هذه الحالات، إما أن يكون ولاء القوات المسلحة للدولة أو يكون لنظام بعينه، ولاء الجيش للدولة نفسها يعنى أنه لن يتحرك ضد مواطنيها، لأنه ينظر إلى الشعب على أنه مصدر شرعيته، وصاحب الحق فى تغيير أى نظام حكم، أما فى الحالة التى ينظر إليها الجيش على أنه جزء من النظام، وتتوحد فيه مصالحه معه، كما فى سوريا، ساعتها يصبح المدنيون هم مصدر تهديد على النظام، وبالتالى على وجود القوات المسلحة نفسها، هذه العلاقة بين الجيش والشعب والدولة نفسها تحدد عدة أمور أخرى، على رأسها أسلوب وسياسة التجنيد فى الجيش، فالتكوين الداخلى لأى جيش يعكس مدى ثقة الدولة فى قطاعات معينة من المجتمع، ومدى قوة الترابط بين هذه القطاعات والدولة».
وترصد الدراسة حال العلاقة بين الشعب والجيش حالياً، تقول: «بشكل عام، فإن الشعب يضع المؤسسة العسكرية حالياً فى مكانة عالية، ويقول حوالى 71% من الشعوب العربية إنهم يثقون فى قواتهم المسلحة، مقارنة بـ47% منهم يثقون فى الحكومة، و36% يثقون فى الأجهزة التشريعية فى بلادهم، وعلى الرغم من اختلاف أسباب ونسب هذه الثقة من دولة إلى أخرى، فإن تلك الصورة الإيجابية التى تتمتع بها القوات المسلحة بشكل عام ترجع إلى أن الشعب ينظر إليها على أنها مؤسسة محايدة، غير فاسدة، وطنية، ومرتبطة تاريخياً بفكرة الدولة بالنسبة له».
وتتابع: «إلا أن الواقع أن القوات المسلحة ليست مجرد «فكرة» أو صورة للوطنية فى أذهان الناس، هى فى المقام الأول مؤسسة، حتى وإن كانت مؤسسة استثنائية ذات طراز خاص يرجع إلى طبيعة مهامها وتكوينها، إن الطريقة التى تعمل بها هذه المؤسسة ليست أمراً مفهوماً بالنسبة للكثيرين، إلا أن التكوين الداخلى لهذه المؤسسة هو الذى يحدد ما إذا كانت قادرة على التحرك بحسم ساعة الجد أم لا، وبذلك يمكن القول إن المعيار الذى يقاس عليه مدى تماسك المؤسسة العسكرية داخلياً من عدمه، لا يقاس بحجم الرجال ولا العتاد، وإنما بمدى «احترافيتها» فى التعامل مع الأوضاع، بما فى ذلك مهارة التحرك، وحسن التقدير، والخبرة، خاصة فى حالات التعامل مع العنف، إضافة إلى مدى إحساسها بالمسئولية تجاه الشعب أو الدولة التى تقوم بحمايتها».