الجيش يتحرك لممارسة دوره "الوطنى" وليس "السياسى"
وتواصل الدراسة تتبع العلاقة بين المؤسسة العسكرية ونظام الحكم، والأهم تلك النظرة التى كان ينظر بها الغربيون إلى الانقلابات العسكرية الماضية فى الخمسينات، تقول: «ويمكن القول إن المؤسسة العسكرية المصرية تمثل حالة خاصة فى العالم العربى، فعلى الرغم من أن البلاد لم تشهد انقلابات عسكرية كثيرة كتلك التى شهدها العراق وسوريا مثلاً، فإن الجيش المصرى متداخل بشدة مع السياسة، بحيث يؤثر فى سير العملية السياسية واتجاهها حتى وإن لم يقم بانقلاب عسكرى صريح، إن السمة الغالبة على تغيير نظام الحكم فى العالم العربى هى أنه يتم من خلال انقلاب عسكرى أو انقلاب عسكرى مضاد، وفى فترة الخمسينات مثلاً، لم تكن هذه الانقلابات تحظى بدعم شعبى وحسب، لكنها كانت تحظى أيضاً بتأييد المحللين الغربيين الذين كانوا يرون فيها خطوة ضرورية وأساسية فى اتجاه تحديث البلاد، كان هؤلاء المحللون يرون أن الجيش يمكن أن يلعب دور الوسيط فى تلك العملية الانتقالية التى تنتقل فيها المجتمعات من حال إلى حال، ومن مرحلة إلى أخرى، من ناحية لأن هذا يمكن أن يعد إحدى «مهام» الجيش، ومن ناحية أخرى، لأن الضباط سوف يعودون إلى ثكناتهم بمجرد أن ينتهون من دورهم فى العملية الانتقالية، وهى نفس وجهة النظر التى يحملها ضباط الجيش أنفسهم، كما يظهر مما ذكره جمال عبدالناصر فى كتابه «فلسفة الثورة»، المنشور عام 1954، عندما قال: «لو أن الجيش لم يتحرك، فمن الذى سيتحرك إذن؟»..[FirstQuote]
وتربط الدراسة بين الليلة والبارحة، وتحرك الجيش فى ثورة يوليو 1952، وبيان الجيش فى يوليو 2013، تقول: «كان الجيش يرى، سواء فى تحركه عام 1952، أو عام 2013، أن تحركه ضرورة لأن حالة المجتمع تدفعه إلى ذلك دفعاً، وليس لأن المؤسسة العسكرية تسعى للتدخل فى العملية السياسية، كذلك كان واضحاً من بيان القوات المسلحة الذى ألقاه قائدها العام وقتها، الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى يوليو 2013، أن هناك إحساساً لدى الجيش بأنه المؤسسة الوحيدة القادرة على تحرير البلاد سياسياً ووطنياً، كان «السيسى» يقول إن القوات المسلحة لا يمكن أن تصم أذنيها عن نداءات الشعب المصرى، الذى يطالب جيشه بأن يقوم بدوره الوطنى، وليس السياسى».
وتواصل: «ويمكن بشكل عام القول إن ظاهرة «الانقلابات» العسكرية قد تراجعت فى منطقة الشرق الأوسط منذ نهاية السبعينات، إلا أن القول إن الجيش قد انسحب من الحياة السياسية هو فى الحقيقة محض أوهام، لقد كان غياب الجيوش العربية عن المشهد السياسى يرجع فى المقام الأول إلى نجاح الأنظمة الحاكمة وقتها فى احتواء إمكانية حدوث انقلاب من جيوشها عليها، إضافة إلى الحد من قدرات الجيوش على القيام بمثل هذه الانقلابات أصلاً، وانخفضت شعبية الجيوش العربية فى تلك الفترة بسبب فشل سياسات التحديث الواضح فيها، إضافة إلى هزائمها المتكررة خلال المواجهة مع إسرائيل، إلى حد أن بعض رؤساء الدول العربية الذين وصلوا إلى الحكم عبر الانقلابات العسكرية، سعوا فيما بعد إلى أن يبعدوا أنفسهم، ولو ظاهرياً عن الجيش من خلال التخلى عن بدلتهم العسكرية بعد الحكم».[SecondQuote]
وتتابع: «فى الوقت نفسه، كان إجراء الانتخابات فى دولة ما يعزز دعائم الحكم العسكرى فيها ويضفى عليه صبغة شرعية، كما حدث عام 1956 مثلاً، بعد 4 أعوام من الانقلاب الذى جاء بالضباط الأحرار إلى السلطة فى مصر، عندما خلع الضباط الأحرار بدلتهم العسكرية، بمن فيهم أنور السادات الذى أصبح فيما بعد رئيساً لمصر، خلفاً لجمال عبدالناصر الذى خلع زيه العسكرى وأصبح رئيساً للبلاد بعد استفتاء عام، وهو نفس ما حدث مع حسنى مبارك الذى خلع زى الطيار الحربى، واستبدل به زياً مدنياً عندما تولى حكم مصر بعد اغتيال السادات عام 1981، أو مع حافظ الأسد فى سوريا عندما ترك منصبه فى القوات الجوية السورية من أجل الرئاسة، وكذلك الحال بالنسبة للرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على، أو الليبى معمر القذافى، الوحيد الذى كان يحرص على الظهور بالزى العسكرى والتباهى به على الرغم من أنه لم يكن ينتمى للقوات المسلحة فى بلاده، هو الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين».
وتواصل الدراسة: «هذا النوع من إضفاء الطابع المدنى على أنظمة الحكم العسكرية أدى إلى إذابة الفوارق والحدود بين القوات المسلحة كمؤسسة ضمن مؤسسات الدولة، ونظام الحكم القائم، وزاد من قوة الاعتقاد السائد بأن الجيش جزء أصيل لا يتجزأ من النظام الحاكم، ودعامة أساسية من دعامات حكمه. إلا أن أحداث 2011 كشفت عن أن العلاقة بين النظام الحاكم والجيش أعقد من ذلك بكثير، لقد اتخذت معظم جيوش دول الربيع العربى صف المتظاهرين ضد النظام الحاكم، وشاركت فى تسهيل عملية التغيير، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وفى مصر على وجه التحديد قامت المؤسسة العسكرية بدور أكثر فعالية وتأثيراً، وفى كل الحالات ظلت القوات المسلحة هى القوة الحقيقية التى تصنع الحكام، هؤلاء الذين لا يمكنهم الاستغناء عن دعمها الأساسى للحفاظ على السلطة».