كلية الحرب الأمريكية:القوات المسلحة تعمل فى مناخ شديد الصعوبة والتعقيد
من أوروبا إلى أمريكا، صدرت دراسة أخرى عن كلية الحرب الأمريكية فى بداية العام الحالى، لا تقل عن الدراسة الأولى أهمية، ولا اهتماماً بالجيش المصرى. كانت دراسة كلية الحرب الأمريكية تحمل عنوان: «إصلاح الجيوش العربية بعد الربيع العربى»، كانت الدراسة الأمريكية تحاول أن تقرأ «قلب» الجيش، وأوجه القصور فيه، والتى تمنع إصلاحه من وجهة نظرها. تقول: «إن عودة الدور السياسى للجيش فى الأحداث الأخيرة منذ 2011، لا تعكس فقط أهمية المؤسسة العسكرية، ولكنها تعكس أيضاً ضرورة إصلاحها. هناك عدة عوامل لا بد من أخذها فى الاعتبار عند الحديث عن محاولة إصلاح الجيوش فى دول الربيع العربى، منها مثلاً، غياب وثيقة واضحة، تفصل رؤيتها لفكرة الأمن القومى، وغياب الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية، واستمرار التحديات الأمنية التى تواجهها هذه المؤسسة، إضافة إلى غياب الرؤية الداخلية التى ترى ضرورة الإصلاح من الأساس فى الجيش أو غيره من المؤسسات الأمنية فى البلاد».
وترصد الدراسة الأمريكية، تلك الظروف شديدة التعقيد التى تعمل فيها المؤسسة العسكرية. تقول: «يمكن القول إن القوات المسلحة تعمل فى مناخ شديد الصعوبة والتعقيد على عدة مستويات، فالمؤسسة العسكرية فى العديد من الدول العربية تجد نفسها مرتبطة ببعض الدول الضعيفة ليس فقط من ناحية السلطة، ولكن أيضاً، من ناحية الشرعية التى تتمتع بها. تعانى المؤسسة العسكرية أيضاً تحديات من ناحية التمويل، إما بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة فى البلاد، وإما بسبب تعمّد بعض الأنظمة العربية التضييق على مصادر تمويل الجيش لإبقائه فى حالة من الضعف تحت سلطتها. والواقع أن القوات المسلحة لن تستفيد فقط من إصلاح داخلى فيها، لكنها أيضاً، تحتاج إلى مزيد من الانخراط فى حل النزاعات، وإعادة الاستقرار، فى المناطق التى تشهد نزاعات إقليمية حالياً».
وتفصل الدراسة الأمريكية أيضاً، الأساليب التى يمكن أن تبدأ بها أى سلطة مدنية فى فرض رقابتها على المؤسسة العسكرية. تقول: «لا بد أيضاً، من أن يتم تحييد تدخّل الجيش فى السياسة بطريقة نزيهة، وليس بشكل ملتوٍ أو خبيث، بشكل يُظهر بوضوح سيطرة السلطة المدنية على المؤسسة العسكرية، إضافة إلى الفصل الواضح بين المهام الأمنية فى الداخل والخارج، ولا بد كذلك من رسم سياسة واضحة للأمن القومى، تظهر الخطوط والتوجهات العريضة للجهود العسكرية. ومن الضرورى أن يتم ضم ممثلين عن هذه المؤسسات خلال مناقشة الأفكار الخاصة بإصلاحها، وذلك حتى لا تواجه تلك الأفكار الإصلاحية معارضة من داخل تلك المؤسسات، ولكى تكون هذه الأفكار متسقة مع الأخلاقيات المهنية المتّبعة فى صفوفها. هذا هو ما يضمن أن تكون هذه الإصلاحات أكثر جدوى ونجاحاً، بدلاً من أن تكون مجرد «إملاءات» استعلائية من أطراف مدنية، تكون نتيجتها الحتمية هى الفشل الذريع».
وتواصل: «إن المؤسسات المسئولة عن الحفاظ على الأمن والحماية، تظل أحد الأعمدة الرئيسية. فدون تحقق الأمن، لا يمكن أن يتم أى نمو اقتصادى فى مصر، خاصة أن تدهور الحالة الاقتصادية هو الذى أدى إلى اندلاع أحداث يناير 2011 فى المقام الأول تلك الأحداث التى كشفت عن أن إصلاح المؤسسات العسكرية صار أمراً ضرورياً، وليس جيداً فقط. خاصة أن الأطراف المدنية على الساحة السياسية حالياً تواجه بدورها تحديات كبرى، بسبب صعوبات العملية الانتقالية حالياً، بما يعنى أن المؤسسة العسكرية، ستظل هى العامل الرئيسى والحاسم فى أى إصلاح لها. لا بد إذن من تفهّم احتياجات واعتبارات العاملين فى المؤسسة العسكرية، والأمنية عموماً، فهذا الفهم، هو الذى يمكن أن يضمن تعاونهم فى الإصلاح».
وتتابع دراسة كلية الحرب الأمريكية: «هناك تحديات كثيرة يمكن أن تواجهها القوات المسلحة عندما يتعلق الأمر بالإصلاح على المدى المتوسط والقريب. ربما كان أبرزها، هو غياب ما يُسمى بورقة عمل، أو ورقة تفصل استراتيجية واضحة للأمن القومى، تلك الوثيقة التى تظهر أهميتها خلال تلك الفترات الحرجة التى تضطر فيها عدة أجهزة أمنية للتعاون معاً فى مجال حماية المواطنين والبلاد. معظم البلاد العربية، وعلى رأسها مصر وتونس والجزائر واليمن، لا تمتلك هذه الورقة التى تفصل تلك الاستراتيجية. وتجدر الإشارة إلى أن «الاستراتيجية» تختلف عن مجموعة المعايير التى تحدد مثلاً أسس التعامل، وحجم التسليح، وتشكيل المجموعات القتالية التى يمكن تحريكها فى حالة مواجهة اعتداء أو هجوم ما. «الاستراتيجية» تعنى باختصار خطة أكثر شمولاً واتساعاً تسعى لتحقيق هدف معين وسط ظروف ضبابية، يصعب فيها حسم الكثير من الأمور».
وتتابع الدراسة: «هناك عدة أسباب وراء غياب وثيقة استراتيجية مفصّلة للأمن القومى من هذا النوع. منها مثلاً، أن السرية والتعتيم المفروضين على قطاع الدفاع فى دول الربيع العربى، ومنها مصر، قد جعل أى نقاش حول استراتيجية هذه المؤسسات أمراً شبه مستحيل على كل المستويات. تظل مناقشة كل ما يتعلق بالاستراتيجية والأمن القومى مقصورة على رئيس الدولة وحده، بالتشاور مع القيادات العليا للجيش، الأمر الذى يجعل الحاجة إلى وثيقة مفصّلة حول استراتيجية الأمن القومى أمراً غير ضرورى من وجهة نظرهم».
وتواصل: «لكن، غياب مثل تلك الوثيقة يمكن أن يؤدى إلى صعوبات متزايدة فى عمل المؤسسة العسكرية، ففى أى دولة لا توجد فيها هذه الاستراتيجية المفصّلة، يكون من الصعب إعادة النظر فى استراتيجية الدفاع ومراجعتها، وبالطبع، يكون من الأصعب أن تتم عملية تحديث شاملة للمؤسسة العسكرية. وحتى لو تم هذا التحديث، فإنه لا يتم على أساس اعتبارات استراتيجية بعيدة المدى، وإنما وفقاً لاعتبارات سياسية. كما حدث مثلاً عندما غيّر الرئيس السادات العقيدة العسكرية للجيش المصرى من العقيدة السوفيتية إلى العقيدة الأمريكية فى نهاية السبعينات، وهو تغيير لم يكن مدفوعاً بتحديث التفكير الاستراتيجى نفسه، حتى إن كانت عودة سيناء إلى السيادة المصرية فى تلك الفترة، نتيجة تحسن التحركات الاستراتيجية للسادات».