كان خطاب الرئيس السيسى فى ذكرى 25 يناير خطاباً مقتضباً ومباشراً، ويمكن أن نعتبره من الخطاب الذى نقول عنه، قلّ ودلّ. جاءت فيه نقاط عديدة بعد العزاء الواجب فى وفاة ملك المملكة العربية السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والتمنيات الخالصة لمستقبل أفضل على يد من جاءوا بعده، من أهم تلك النقاط، العشرُ التالية:
أولاً: تمثل الثورة لنا جميعاً شعلة جديدة للأمل والتقدم والتحرك.
ثانياً: تهنئة المصريين ودعوتهم إلى مزيد من الحركة والعمل والصبر.
ثالثاً: ثورة 25 يناير ثورة للتغيير ويجب أن تدفعنا دائماً للتحرك بقوة.
رابعاً: التغيير عندما يريده الشعب المصرى يحدث بتوفيق من الله، كما فى ثورة يناير ثم ثورة يونيو. طبعا تغيير أنفسنا فى العمل، وفى المدرسة، وفى المصنع وفى كل ميدان.
خامساً: نحتاج إرادة التغيير لتحقيق أهداف الثورة، من عيش وحرية وعدالة اجتماعية.
سادساً: لا بد من ثورة كبيرة من داخلنا لتحقيق أهداف الثورة.
سابعاً: لا بد من تحرّك إيجابى فى كل المجالات لمواجهة السلبيات التى تستغرق وقتاً.
ثامناً: من الضرورى المزيد من العمل والحركة والصبر.
تاسعاً: التحية والتقدير لكل شهداء مصر من 25 يناير حتى اليوم. الذين سقطوا من أجل مصر ومن أجل أن تتقدّم.
عاشراً: دم الشهداء والمصابين له معنى عظيم، وهذا يدفعنا دائماً إلى التحرك للأمام.
هذه النقاط أو الإشارات العشر السريعة، وردت فى حديث الرئيس السيسى بهذه المناسبة العظيمة، ويدرك الإنسان منها أن الحديث عن عودة «الفلول» أو إهمال ثورة 25 يناير والاكتفاء بثورة 30 يونيو كلام عارٍ عن الصحة تماماً. قد يتسلّل بعضهم، ولكن تهمة عودة نظام الفلول تهمة جائرة وظالمة. وفى هذا الحديث المقتضب والنقاط المهمة التى ذكرها الرئيس السيسى، والتى تشكل فى ظنى، جزءاً مهماً من التشخيص السليم، لمعظم الأمراض التى يجب أن يتخلص المصريون منها.
من أهم تلك الأمراض، الفقر والجهل والمرض والعشوائيات والكسل، ولذلك دعا الرئيس المصرى إلى مزيد من العمل والصبر. والشعب بالتأكيد يدعو الرئيس إلى المزيد من توفير فرص العمل، خصوصاً للشباب والقادرين على العمل ولا يجدونه، وخريجى الجامعات وحملة الماجستير والدكتوراه الذين لا يجدون عملاً مناسباً، فى مقدمة هؤلاء. كما يطالب المصريون رئيسهم الزعيم، بحل مشكلة العيش كمطلب من مطالب ثورة 25 يناير. الشعب سيصبر، ولكن أهل الحكم والإدارة عليهم العمل، بل كذلك إحسانه. ومن أهم الأمراض التى ابتُلى بها الشعب المصرى المكافح، النمطية والخلود إلى الأرض لسنوات عديدة، ومن ثم جاءت الدعوة إلى التغيير، وهى دعوة ربانية أصلاً، ولها شروطها كما جاء فى القرآن الكريم «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ». وعلى كل منا أن يبحث فى نفسه وفى داخله ليخرج من أمراضه أولاً، ومن ثم يخرج الوطن من أمراضنا جميعاً. فالوطن ليس مريضاً، بل نحن المرضى فيه، ونحن من أسباب مرضه.
كانت النقطة الرابعة، وهى دعوة إلى التغيير فى عدة مجالات بعد التغيير داخل النفس، منها تغيير أنفسنا داخل العمل، وفى المدرسة، وفى المصنع، وفى جميع الميادين. والتغيير فى العمل يشمل معرفة الأهداف وواجبات الوظائف، وحسن معاملة الناس، ومساعدة الزملاء، واحترام الإدارة والمواعيد، وتوفير وقت المراجعين لمصالحهم، دون انتظار، مقابل خارج الراتب المستحق أو تعمّد تأخير قضاء الحاجات، «فإن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس، حبّبهم فى الخير وحبّب الخير إليهم، أولئك هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة». كما جاء فى بعض الأحاديث. والتغيير فى الإعلام نحو الموضوعية إلخ.
أما فى المدرسة كجزء من التعليم، فيجب أن تكون مجهّزة لعملية التعليم، بل التعليم الأمثل الذى يساعد كثيراً فى الخروج من التخلف، وأن تتوطد فيها، أى المدرسة، العلاقة الحسنة بين الإدارة والمدرسين والطلبة، ويتم فيها تعليم الطالب ذهنياً وفكرياً وعلمياً وروحياً وأخلاقياً وسلوكياً، وتكون المدرسة مكمّلة للبيت وللأسرة، كما يجب أن يكملها البيت والأسرة والشارع. مدرسة نرى فيها علاقة حسنة بين الجميع. ومدرسة نجد فيها منهجاً عظيماً يعين على التفوق، ومدرساً يواظب على الدرس، يفكر فى التطوير، ولا يضطر الطلبة إلى الدروس الخصوصية. مدرسة نجد فيها الآليات والأدوات اللازمة للتفوق. وبمعنى أوضح وأشمل «بيئة تعليمية نحو التفوق». كما نجد أن الخطاب يشير إلى ثورة بداخلنا، وكثير منا يحتاج إلى مثل هذه الثورة للتطور على المستوى الفردى أو الشخصى، وهو جزء من سلم التطور والنماء الجمعى، فالفرد أساس المجتمع وصلاحه صلاح للمجتمع.
تدعو هذه النقاط العشر إلى الخروج من التخلف، وإلى ضرورة التغيير والتقدّم، وبذل المزيد من الجهد والعمل والحركة والصبر. هنيئاً للشعب المصرى برئيس يدعو إلى هذه القيم العظيمة والرئيس فى الوقت نفسه، ومع هذه الرؤية الواضحة لديه ولدى من معه، عليهم جميعاً أن يختاروا من يكون قادراً على تنفيذ ذلك، وعليهم حسن المراقبة والمحاسبة، وعليهم إعداد القوانين فى ضوء الدستور الجديد، التى تعين فى حسن التنفيذ والشفافية والمراقبة والمحاسبة للمخطئ والفاسد والمرتشى والكسول، ومن ينتهك حقوق الإنسان، تحقيقاً لأهداف الثورة الأربعة.
وأتمنى -أخيراً- ألا يستغرق ملف الشهداء والجرحى وقتاً أطول، فقد مرّت على بعضهم سنوات عجاف أربع. ونريد أن نحتفل فى العام المقبل بإنجاز كبير وملموس فى السياسة والصحة والتعليم خصوصاً، دون أن نشكو من الأمراض والأعراض نفسها.
والله الموفق