تابعت يوم الثلاثاء 27 يناير احتفالات الحكومة والبرلمان الألمانى بالذكرى السبعين لتحرير معتقلى معسكر الموت المعروف باسم «أوشفيتز بيركيناو»، وهو اسم المعسكر الذى أنشأته القوات النازية فى بولندا عام 1940 بعد احتلالها خلال الحرب العالمية الثانية، وقُتل فيه نحو مليون شخص من الغجر واليهود وأسرى الجيش الروسى والمعارضين السياسيين للزعيم النازى هتلر.
تصر ألمانيا على تخليد ذكرى مذابح هتلر ضد اليهود بعد أن ظلت لسنوات تدفع فى تعويضات غير مثبتة لتنفى عن ذاتها شبح النازية وتطهر ثوبها من خطاياها. ويصر اليهود على استنزاف ألمانيا وحكومات العالم بتلك المذابح التى لم يتعرضوا لها وحدهم. لدرجة أنهم أقاموا فى وسط العاصمة برلين وبالقرب من مبنى المستشارية الألمانية نصباً تذكارياً لتلك المحرقة به عشرة آلاف قبر رمزى، وتخيل معى المساحة الشاسعة التى تحتلها تلك القبور المصممة من الرخام رمادى اللون، ليظل ذكرى نضالهم ومصدر قوتهم عند المساومة.
لا يعنينى هذا الهاجس كثيراً، فطرفا المساومة بلغا سن الرشد. ولكن ما يعنينى هو كلمات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى تلك الذكرى السبعينية لتحرير معتقلى معسكر «أوشفيتز». حيث قالت، وفقاً لما تناقلته وكالات الأنباء العالمية: «من المعيب أن يتعرض أناس فى ألمانيا للضرب والتهديد أو الهجوم لأنهم يقولون إنهم يهود أو لأنهم يقفون إلى جانب إسرائيل. لا نريد تعابير عنصرية ضد اليهود، ضد الذين وجدوا فى ألمانيا وطناً جديداً، أو الذين فروا إلينا من الحرب أو الاضطهاد. علينا أن نحارب معاداة السامية وجميع العنصرية من البداية».
كلمات رائعة بالطبع تعبر عن التسامح ونبذ العنصرية، ولكنها لا تعبر عن الرؤية الواحدة للقضايا. فإن كانت ألمانيا فتحت أبوابها لمن فر من اليهود من أى نوع من الاضطهاد وتدعم حق إسرائيل فى إنشاء دولتها، فهى قد تركت ما يزيد على 5 ملايين لاجئ فلسطينى بلا وطن! وتركت أضعافهم يعانون التمييز فوق أرضهم المحتلة! وتركت المحتل الإسرائيلى يمارس معهم وبحقهم ما سبق وشكا منه، وابتز العالم أجمع بسببه، حتى صار إنكار المحرقة أو فكرة حدوثها معاداة للسامية وتهمة تستحق المحاكمة. والأدهى من كل هذا أن نفس الحكومة الألمانية، بأجهزة مخابراتها وخارجيتها ومؤسساتها، هى من تدعم منظمة الإخوان الإرهابية التى تقوم على العنصرية والإرهاب والقتل الذى تحتفل ألمانيا بذكرى التخلص منه!! وتعلم «ميركل» أكثر منى تلك العلاقة التاريخية بين جماعة البنا وهتلر الذى تستنكر أفاعيله! ولذا أتعجب من كلمات لا علاقة لها بالواقع.
أعود لكلمات «ميركل» المفوهة وهى تقول فى ذات ذكرى الاحتفال: «ينبغى علينا على الدوام أن نحترس لكى نحمى حريتنا وديمقراطيتنا وسيادة القانون، علينا أن نفضح من يروجون للتحامل واستحضار الغيلان القديمة والجديدة». كلمات عظيمة تجبرك على الاحتفاء بها وهى تتحدث عن حماية الحريات وسيادة القانون، ولكنك تنتبه لتجد أن ذات البلد -ألمانيا- يستكثر علينا كمصريين تطبيق القانون مع من يخالفه ويثير الرعب والفوضى والقتل بيننا. وترى فى دفاعنا عن حريتنا تقييداً للحريات! وتؤوى على أرضها الإخوان ومموليهم. ولا تملك أمام تلك اللحظة الهزلية إلا أن تتعجب من رفضهم معسكرات الموت هناك ودعمها هنا!