سيادة الرئيس.. صباح الخير
..أكتب لك أحياناً.. فيغضبون.. وكأن بعضهم يريد أن يعزلنا عنك، ويعزلك عنا.. ولكننى لا أقوى على «الصمت المريب».. فلك فى عنقى أمانة.. ولمصر فى روحى ألف ألف أمانة.. لذا سأتكلم.. سأكتب.. حتى لو قالوا لك: هذا عدوك.!.. سوف أسألهم يوماً أمامك: ..وهل ينصح العدو؟! ومنذ متى كانت «النصيحة الخالصة» خصومة؟!
أكتب لك اليوم -سيادة الرئيس- فى ذكرى ثورة، أثق أنك كنت وما زلت معها.. أعود للوراء، فأتذكر جلسة جمعتنا حين كنت مديراً للمخابرات الحربية.. كنا فى مقر الأمانة العامة للقوات المسلحة، وكان «مبارك» قد رحل منذ أيام قليلة.. سألتك يومها: وماذا بعد؟!.. فأجبت بوطنية مفرطة وحماس واضح: لازم مصر ترجع مصر!!.. ورغم مرور 4 سنوات، لا تزال العبارة محفورة فى أعماقى.. لذا.. فحين اختارتك الأقدار للمهمة الصعبة.. بايعتك بدمى.. وما زلت على «عهدى».. غير أن «عهدى» معك ومبايعتى لك تبدو مختلفة عن آخرين.. لذا أمنح نفسى حق الناصح، دون انتظار مقابل، ودون أن أزاحمهم فى الـ«كادر» من حولك.. فليس لمثلى «عشق للكادرات».. وأعرف أنه ليس لمثلك حسابات «الكادرات»..!
أكتب لك اليوم عن الثورة.. ولكن من وجه مواطن مصرى يرنو بنظره إلى رئيسه.. مواطن يقطن عشة فى الصعيد الجوانى، أو قبراً فى قلب القاهرة.. أو يقود «تاكسى» فى شوارع الإسكندرية.. أنت تريد -حتماً- أن تفعل شيئاً لهؤلاء.. تحلم بأن تحفر لهم خريطة جديدة على أرض وطن، داسها الآخرون بأقدامهم.. حسناً.. هذا رائع.. ولكن أىّ «مصر» تلك التى تريد بناءها من جديد؟!
دعنى أساعدك بتواضع المحب.. هل سألت نفسك يوماً «لماذا ثار المصريون فى 25 يناير ثم 30 يونيو؟!.. ألأن الجوع جفّف البطون؟!.. أم يأساً من فقر لا يرحم؟!.. أم دفاعاً عن حرية ضائعة؟!.. أم غضباً من فساد بات دولة؟!.. أصارحك القول أن لا هذا.. ولا ذاك.. ولا تلك!.. ثمة تفسير آخر أقوى من الجوع والفقر والاستبداد والفساد.. تفسير جامع مانع.. ضعه عنواناً عريضاً.. ثم اكتب تحته أى شىء.. وكل شىء..!
سيادة الرئيس.. المصرى لا يثور بسهولة.. جينات الأرض بيابسها ومائها وهوائها جعلته صبوراً، حتى ملّ الصبر من صبره.. إذن.. فلماذا ثار وغضب وصرخ..؟!
يثور المصرى -يا سيادة الرئيس- حين لا يشعر أحد بـ«صبره».. حين لا تراه عين السلطة إنساناً.. حين يدب بقدمه على أرضه، فلا يسمع صدى خطوته.. حين يرمى نظرة إلى السماء، فيراها ملبدة بغيوم التجاهل.. حين يغمض عينيه ليلاً، فلا يكون فى الصباح أمل جديد.. والأهم.. حين يصبر.. ويصبر.. ويصبر.. ويظن أننا نعترف بـ«فضله».. فنلطمه على خده.. وأحياناً على «قفاه»..!
تسألنى الآن -سيادة الرئيس-: وما الحل..؟!.. عندك حق.. ولكن دعنى أولاً أضع على مكتبك ملفاً له مليون مغزى ودلالة: هل قرأت -سيادة الرئيس- قصة المواطن الإسكندرانى الذى أهانه ضابط شرطة على الملأ، فوضع فى يده «الكلابش»، وقيده فى حزام الأمان الخاص بسيارته؟!.. أكيد عرفت.. وأكيد عرفت أن مدير أمن الإسكندرية قرر إيقاف الضابط عن العمل وأحاله لقطاع التفتيش والرقابة للتحقيق.. فهل انتهت القصة؟!
قطعاً.. لا.. لماذا..؟!.. لأنها سوف تتكرر كل يوم.. وكل ساعة.. وكل دقيقة.. لماذا؟!.. لأن خطورتها لا تكمن فى جريمة الضابط.. وإنما فى سبب الواقعة ذاتها..!
المواطن الغلبان أخطأ قطعاً لأنه صدق أن مصر حدثت فيها ثورتان.. إذن.. فسيادة القانون باتت حقيقة.. لذا اعترض «الساذج» على سير ضابط الشرطة عكس الاتجاه.. نعم.. نحن وسيادتك قلنا للمواطن ذلك.. قلنا له إن قانون المرور سيطبق على الجميع دون استثناء.. وقلنا له إن العدالة الاجتماعية هى أهم مكتسبات الثورتين.. وقلنا له كذلك: أيها المواطن كُن إيجابياً.. ولا تتنازل عن حقك..!
صدّق السائق المسكين.. فكان جزاؤه «الكلبشات» والربط بـ«الحزام» وسط الشارع.. فما الحل إذن؟!
سيادة الرئيس.. المؤكد أنك فهمت الآن لماذا أكرر عبارة سيادة الرئيس فى هذا المقال وغيره.!.. ببساطة شديدة لأن سيادتك.. وسيادة الدولة.. وسيادة الأمة.. كل هذا شديد الارتباط بـ«سيادة القانون».. ودون سيادة القانون.. لن يتحقق شىء.. والله.. لن يتحقق شىء..!
أقولها لك اليوم وكل يوم وكل لحظة.. ابدأ بـ«سيادة القانون».. أعد الانضباط القاسى للشارع المصرى.. لا تطبق القوانين والضوابط من «أسفل» وإنما من «أعلى».. من الضباط -جيش وشرطة-، من المستشارين والقضاة وجهاز النيابة العامة، من الصحفيين والإعلاميين والفنانين والنجوم والشخصيات العامة.. من كبار المسئولين فى الحكومة، بل ورئاسة الجمهورية.!
دعنى أناشدك بأن تأتى بهم جميعاً.. السادة رئيس الحكومة.. ووزراء الدفاع والداخلية والعدل والنائب العام ورئيس المجلس الأعلى للقضاء.. قل لهم بحزمك المعهود وحبك المعروف لبلدك وناسك: لا أحد فى مصر فوق القانون.. من يخطئ من رجالكم سيعاقب «الطاق طاقين».. هذا هو العدل..!
..صدقنى.. جرب.. والله يا ريس.. كل المشاكل هتتحل.. أو على الأقل سنضع أقدامنا على أول الطريق..!