يبدو أن العام الحالى الذى بدأ لتوه سيواصل السير للعام الرابع على التوالى فى ركاب رياح تغيير هزت المنطقة وبعنف منذ سنوات. فها هى الحرب الباردة تستعر بين موسكو وواشنطن محددة ملامح صراع فى العديد من النقاط الساخنة حولنا. فالحرب بين العاصمتين لم تنته بإعلان روسيا ضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين الأوكران، كما لم تتوقف عند حد دفع واشنطن فى الخفاء لقرارات ضخ المزيد من النفط العالمى ليخسر البرميل نحو نصف ثمنه، بهدف إضعاف الدب الروسى واقتصاده الذى فقد إلى جوار فرض العقوبات الاقتصادية مليارات ستحدد الأيام قدرته على تحمل آثارها. يحدث هذا فى ظل حرص القوتين الشرقية والغربية على الحفاظ على مناطق نفوذهما من دون التفريط فيها مع ترك الساحة فى منطقتنا للاعبين يخدمون هذا الجناح أو ذاك.
وتجىء أحداث شبه الجزيرة العربية فى الأيام القليلة الماضية لتطرح تساؤلات عدة عن مصير تلك البقعة التى يزداد الطرق على صفيحها المستعر تحت النار. فها هو اليمن يفقد رئيسه عبدربه منصور هادى بالاستقالة وسط تصريحات من هنا وهناك ترسم ملامح الفوضى والحرب الأهلية وتعلن دخول اليمن قائمة الدول الفاشلة سياسياً فى عالمنا العربى، ورضاء إيرانى للسيطرة على شبه الجزيرة العربية من جنوبها عبر الحوثيين، وشمالها عبر حزب الله. بينما يأتى خبر رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتولى ولى عهده الأول وأخيه سلمان بن عبدالعزيز وما أعلنه من قرارات ليثير الكثير من التساؤلات حول حقيقة ما يحدث بكواليس الحكم داخل البيت السعودى وتأثيره على مُجريات الأمور بالمنطقة فى الأيام المقبلة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تصاحبه دعوة «البغدادى»، زعيم داعش الإرهابى، لأمازيج ليبيا والجزائر ومالى لإعلان انضمامهم لتنظيمه، وهو ما يُفسر فى إطار مواصلة تفتيت المنطقة وإثارة النزعات العرقية بها -مشروع قديم متجدد لبرنارد لويس وشريكه بريجينسكى، مستشار الأمن القومى الأمريكى فى عهد جيمى كارتر- لتحقيق مصلحة إسرائيل فى مزيد من التمدد وتآكل ما حولها من دول. لا يفارق المشهد هنا حالة الاستعداد العسكرى التى تبنتها إسرائيل فى الأيام الماضية براً وبحراً خشية قيام حزب الله بهجوم يسعى من خلاله لاحتلال إحدى المستوطنات المتاخمة للحدود الجنوبية للبنان. فعلى صعيد حدودها مع لبنان، ووفقاً لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، تم إرسال بطاريات الدفاع ضد الصواريخ من طراز «القبة الحديدية»، تبعها إرسال قوات مدرعة ووحدات خاصة. وتم تعزيز جبهة المواجهة مع الحدود اللبنانية بالمدفعية وبقوات المشاة، بالإضافة لرفع مستوى التأهب فى سلاح الجو وتقصير أزمنة رد طائرات سلاح الجو. ليس هذا وحسب، حيث تشير التقارير الإخبارية للصحافة العبرية إلى امتداد عملية تعزيز القوات الإسرائيلية لمنظومات الدفاع عن منصات استخراج الغاز فى الحقول البحرية، بعد ورود تقارير أجهزة مخابرات غربية تناولت إمكانية تعرض تلك المنصات لصواريخ حزب الله المدعوم إيرانياً. لا تنسَ فى هذا المشهد سوريا القابعة على ظلال وطن منذ أربع سنوات. لا تنسَ محاولات الإبقاء على ما كان يُعرف بسوريا من نظام بات جلياً أنه لا يدافع عن مكاسب شخصية، ولا تنسَ إصرار الغرب على تنفيذ رؤاه فى سوريا مهما طال الزمن.
ونبقى هنا فى مصر نستشعر حقيقة الأزمة وندرك أن قدرنا أن نكون حجر سنمار، إن وقع انهارت معه كل الأمة. نجرى مدافعين عما تبقى من عروبة بين مؤتمر فى دافوس وقمة فى الإمارات. نعلم قدرنا وندرك وحشة الواقع فى ظل انهيار دول التأمين الشرقية والغربية والجنوبية لبلادنا، وانتشار مماليك العصر وقصار المهمة وضعاف الرؤية بيننا. نردد بيقين وراء قيادة -أثق بها- ليس لها من دون الله كاشفة، ليس لها من دون الله كاشفة.