«سامية وحمدية وجمالات»: لو بطلنا نضحك نموت
ما يحملنه فى قلوبهن تجاه بعضهن البعض أكبر بكثير من الصداقة والجيرة. تغلّبن معاً على قسوة الحياة وغلائها، وخرجن من مركز «ناصر» فى بنى سويف للعمل فى «السيدة عائشة» لتوفير مصاريف مدارس أبنائهن. «سامية وجمالات وحمدية»، ثلاث سيدات أجبرتهن الظروف المعيشية على النزول إلى القاهرة لبيع الجبن والمش ثلاث مرات أسبوعياً، على أن ينفقن باقى الأسبوع من عائد ما جمعنه فى الأيام الثلاثة. فى منتصف الليل ينتظرن بعضهن أمام مركز ناصر، يجمعن أجرة السيارة التى ستنقلهن إلى القاهرة، وهى تشبه سيارة ترحيلات. يتكومن داخلها غير عابئات بطول الطريق ومشقة السفر. يتبادلن الحكايات والضحكات ليخففن عن أنفسهن. تسأل كل منهن الأخرى عن آخر أخبار ديونها، أطفالها، وعلاج زوجها. تبتسم العيون المبللة بالدموع، مع هزة رأس يعقبها «ربنا هيفرجها».[SecondImage]
«قاعدين بالإيجار. شاربين المرار اللى فى الدنيا كله. لولا وقفتنا جنب بعض من زمان ماكناش نعرف نعيش ونصرف. إحنا بنقوى بعض، وبنسلّف بعض، وضحكاتنا مع بعض بتقوينا على التعب»، تقولها «حمدية» وهى تجلس بين صديقتيها «سامية» و«جمالات»، يهوِّنَّ على بعضهن الخسارة التى تصل إلى 30 جنيهاً أحياناً، قد تزيد وقد تنقص بسبب قلة العمل. يتبادلن النكات والضحكات بخفة دم، لكن سرعان ما تتبدل ضحكاتهن قلقاً شديداً مع قرب موعد رحيلهن إلى بنى سويف فى السادسة بعد المغرب، دون مكسب يرضيهن ويكفى مصاريفهن، فالأولى مطلقة وتنفق على أطفالها، والثانية تنفق على زوجها المريض و8 أبناء، والأخيرة تنفق على 7 أبناء. يأكلن معاً من البضاعة التى يبِعنها (مش وجبنة وتوم): «جبنة وتوم وعلى قلبنا زى العسل، يعنى مانبعش وكمان مانكلش».. تقولها «حمدية»، وتؤكد أنهن يضطررن أحياناً إلى البيع بالخسارة رغم حاجتهن للمكسب بعد مشوار طويل.
«بنوفر فى الفلوس وبنصرف على بعض، لو واحدة فينا محتاجة للفلوس أكتر من التانية بتبقى فلوسنا هى فلوسها، إحنا أكتر من إخوات»: يصبّرن أنفسهن، ويؤكدن أنهن رغم الظروف القاسية يحاربن من أجل مصاريف مدارس أطفالهن.
«بنعمل جمعيات عشان نشيل بعض، ساعات واحدة فينا ماتقدرش تدفع.. مش مشكلة. هنعمل إيه!. الجمعية كل مرة تبوظ؟»: تقولها «حمدية» وهى تضحك، ثم تبدأ الثلاث فى حمل الميزان وجرادل المش والجبن الذى لم يبعن منه كثيراً، ثم يركبن السيارة بصعوبة بالغة. يضحكن على بعضهن بسبب عدم قدرتهن على الصعود. تفضل «سامية» النوم أثناء الرجوع بدلاً من التفكير، بينما تجلس «حمدية» و«جمالات» على الطرف تنظران إلى الشارع، وكل منهما تضع يدها على خدها. تنطلق السيارة إلى بنى سويف وهى تتأرجح يميناً ويساراً كما تتأرجح أحلامهن.