الزراعة الذكية مناخيا.. «ثورة خضراء» لإنقاذ البشرية من شبح الجوع
حلول غير تقليدية لإطعام 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050
الزراعة الذكية أكثر إنتاجية وأخف ضرراً على البيئة
مع الارتفاع المتسارع فى عدد سكان العالم، تواجه الأرض تحديات هائلة لسد احتياجات البشر من الغذاء، الأمر الذى دفع كثيراً من العلماء والباحثين، فى مختلف أنحاء العالم، إلى البحث عن أساليب غير تقليدية لزيادة الإنتاج الزراعى باعتباره المصدر الأول للغذاء على هذا الكوكب، الذى من المتوقع أن يتجاوز عدد ساكنيه 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، وذلك من خلال استخدام بعض التقنيات الحديثة بهدف تسريع نمو المحاصيل الزراعية، أو إدخال بعض التعديلات عليها لإكسابها قدرة أكبر على مقاومة الأمراض، أو زيادة قدرتها على التكيف مع الظروف المناخية المختلفة.
كما أن التغيرات المناخية، التى أصبحت تداعياتها أمراً واقعاً يعيشه معظم سكان الأرض من شمالها إلى جنوبها، دفعت الكثيرين إلى البحث عن ابتكارات تكنولوجية غير تقليدية؛ لدعم صمود قطاع الزراعة فى وجه هذه التداعيات، من خلال ما يُعرف بـ«الزراعة الذكية مناخياً»، ومن ضمنها تعديل بعض أنواع البذور لتعزيز قدرتها على تحمل ظروف الطقس القاسية، أو للنمو فى نظم بيئية مغايرة، بما فى ذلك المناطق التى تشهد ارتفاعات غير مسبوقة فى درجات الحرارة، أو تعانى من مستويات ملوحة مرتفعة، أو موجات جفاف قاسية ومتكررة، تأكل الأخضر واليابس فى طريقها.
وتعتبر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» أن الزراعة الذكية مناخياً هى النهج الذى يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة، وضمان الأمن الغذائى فى وجود مناخ متغير.
وبحسب محمد موسى، المتحدث باسم المكتب الإقليمى لمنظمة الأغذية والزراعة فى القاهرة، فإن الزراعة الذكية مناخياً تهدف إلى معالجة ثلاثة أهداف رئيسية، تشمل زيادة مستدامة فى الإنتاجية الزراعية والدخل، والتكيف وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وخفض وإزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، حيثما كان ذلك ممكناً.
ويوضح «موسى»، فى تصريحاته لـ«الوطن»، أن الزراعة الذكية مناخياً «وسيلة لتحديد نظم الإنتاج، والمؤسسات التمكينية والسياسات هى الأنسب للرد على تحديات تغير المناخ فى مواقع محددة»، وفى الوقت نفسه، فهى تهدف إلى زيادة الإنتاجية والدخل للمزارعين، مشيراً إلى أن الزراعة الذكية مناخياً هى واحدة من 11 مجالاً مؤسسياً لتعبئة الموارد، فى إطار الأهداف الاستراتيجية لمنظمة «الفاو»، كما أنها تتماشى مع رؤية المنظمة للأغذية والزراعة المستدامين، وتدعم هدف المنظمة لجعل الزراعة والغابات ومصايد الأسماك أكثر إنتاجية وأكثر استدامة، لسد احتياجات البشر من الغذاء.
3 استخدامات للثورة الصناعية الرابعة فى الزراعة: أكثر إنتاجية وربحيةً وأخف ضرراً على البيئة وأقل استهلاكاً للموارد الطبيعية
وتشير التقديرات إلى أن عدد سكان كوكب الأرض يتزايد بنحو 3 أشخاص فى كل ثانية، أى ما يقرب من 250 ألف شخص فى اليوم الواحد، ومن المتوقع أن يتعدى عدد السكان 8 مليارات نسمة بحلول عام 2025، أى بعد عامين فقط، كما يتوقع أن يبلغ عدد سكان الكوكب نحو 9.6 مليار نسمة بحلول عام 2050، ومع هذه الزيادة الهائلة فى عدد السكان، يزداد القلق حيال فرص توفير الغذاء، وتحقيق الأمن الغذائى لهذا العدد من البشر، إضافة إلى تحديات أخرى تتعلق بالحفاظ على الأراضى الصالحة للزراعة، فى ظل تفاقم التغيرات المناخية، ونضوب الموارد الطبيعية، وتلوث المياه والتربة. ويؤكد «موسى» أنه لمواكبة هذه الزيادة المضطردة فى أعداد البشر، يتوجب على المزارعين زيادة إنتاج الغذاء، مع عدم إهدار الموارد الطبيعية، إلا أن هذه المهمة قد تبدو مستحيلة على المزارعين بمفردهم، كما أن أساليب الزراعة التقليدية لن تكون كافية لمواجهة هذه التحديات، الأمر الذى يعكس أهمية الدور الذى يمكن أن تلعبه التقنيات الحديثة فى تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة، من خلال استخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعى والروبوت وإنترنت الأشياء، لجعل الزراعة أكثر إنتاجيةً وربحيةً، وأقل ضرراً على البيئة، وأقل استهلاكاً لموارد الأرض.
البنك الدولى يخصص 52% من تمويل الأنشطة الزراعية لمشروعات التخفيف والتكيف مع تداعيات تغير المناخ
كما يرى البنك الدولى أن نهج الزراعة الذكية المتوافقة مع التغيرات المناخية، هو نهج متكامل لإدارة كل من الأراضى الزراعية، والثروة الحيوانية، ومصايد الأسماك، للحد من مخاطر تغير المناخ، ولذلك يخصص البنك الدولى نحو 52% من الحزم التمويلية المقدمة للأنشطة الزراعية لتمويل الممارسات التى تسعى إلى التخفيف من آثار التغيرات المناخية والتكيف مع التداعيات الناجمة عنها، وذلك بهدف تحقيق زيادة الإنتاجية الزراعية بشكل مستدام، والتكيف مع تغير المناخ، بالإضافة إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الناتجة عن الأنشطة الزراعية.
وفى إطار الجهود المبذولة لتحقيق هدف زيادة إنتاجية المحاصيل، بدأت العديد من دول العالم استخدام كثير من التقنيات التى غيرت وجه الخريطة الزراعية فى أنحاء المعمورة، إلا أنه لا يزال هناك بعض العوامل التى تشكل تحدياً أمام تحقيق هدف توفير الغذاء اللازم لإطعام سكان الكوكب، منها الأوقات الطويلة التى يستغرقها نمو معظم المحاصيل الرئيسية، الأمر الذى لا يسمح إلا بزراعة محصول واحد أو اثنين فقط طوال شهور السنة، وما لم يتم تغيير ذلك، فإن إطعام 10 مليارات شخص يتشاركون الحياة على الكوكب فى غضون الـ30 عاماً القادمة مهمة تبدو مستحيلة.
كما يرى الكثير من العلماء أن الزراعة من دون تربة، المعروفة باسم «الهيدروبونيك» أو الزراعة المائية، قد تكون أحد الحلول غير التقليدية لتفادى أزمة نقص الغذاء مستقبلاً، حيث تعتمد هذه التقنية على زراعة بذور النبات أو الشتلات فى محلول مائى يحتوى على العناصر الغذائية اللازمة لنمو النبات، التى يتراوح عددها فى الغالب بين 12 و16 عنصراً، أو زراعة النبات فى مادة صلبة خاملة، وتساعد هذه الطريقة فى تعظيم الاستفادة بالأسطح وأماكن الفضاء المتاحة، دون الحاجة إلى مساحات من الأراضى الزراعية، كما تحول دون استخدام المخصبات الكيميائية التى عادةً ما تتسرب إلى التربة.
وبحسب ما يؤكد الدكتور عاطف سويلم، أستاذ الهندسة الزراعية بجامعة الزقازيق، فى تصريحاته لـ«الوطن»، فإن الزراعة المائية، التى عرفها المصريون قديماً من خلال زراعة نبات «البردى»، كما أن الكثيرين يعرفونها جيداً من خلال إنبات بذور الفول والحلبة باستخدام قطعة من القماش مبللة بالمياه، فى المناسبات والأعياد المختلفة، تساعد أيضاً فى حماية المحصول من أنواع مختلفة من الآفات التى قد تهاجم النباتات من التربة، كما هو الحال بالنسبة لكثير من المحاصيل التى يتم إنتاجها من خلال طرق الزراعة التقليدية التى يستخدمها المزارعون منذ آلاف السنين.
3 أهداف للزراعة الذكية
1- زيادة مستدامة فى الإنتاجية الزراعية والدخل
2- التكيف وبناء القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية
3- خفض وإزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى