الحديث عن مجزرة «شارلى إيبدو» التى وقعت فى مدينة باريس الفرنسية الحالمة فى الأسبوع الماضى.. مُنته.. مفهوم.. معروف.. مهضوم.. حتى ولو أن خيوطه المبعثرة تخفى بعضاً من دوافعها وأسبابها تحت السطور!!! ومع ذلك، لا أرغب فى الحقيقة فى مناقشتها لأننى لن أصل إلى نتيجة مؤكدة كما هو الحال مع لعبة السياسة وقاذوراتها على مر الأزمنة والتاريخ!! ولكن المثير والممتع فى الموضوع، بالرغم من بشاعته ومأساويته، أنه يفتح الباب للمناقشة حول موضوعات متفرقة، لكنها ترتبط أيضاً من خلال جوهرها.. ولعل الرسم الذى ظهر على غلاف مجلة «شارلى إيبدو» فى أحد أعدادها السابقة، يمثل نوعاً ما فى مضمونه لمحة دفاعية عن الإسلام، وذلك من خلال رسم للرسول صلى الله عليه وسلم ممسكاً برأسه وكأنه فى حالة ما بين الغضب وتبرئة الإسلام وهو يقول: «هذا ما تناله عندما يكون أنصارك ومحبوبوك من الأغبياء»!! وبالرغم أنه غير مستحب أو مقبول فى عقيدتنا الإسلامية تشخيص صورة للنبى عليه السلام، فإن هذه المقولة الساخرة الإيجابية ربما كان من الممكن استثمارها لصالح الإسلام والمسلمين.. ربما كان من الممكن الخروج «خارج الصندوق» واستخدام أساليب وطرق جديدة تقرب وتقترب أكثر من العقائد والثقافات الدينية المختلفة وعلى رأسها الإسلام، وبالتالى تصبح أداة أكثر ذكاء فى المخاطبة والاتصال مع هؤلاء الذين صنفتهم إلى ثلاثة فصائل: أولهم هؤلاء أصحاب الدماء الساخنة الغيورون على دينهم، وثانيهم هم هؤلاء المأجورون المرتزقة المتاجرون باسم الدين وشرفه، وثالثهم هم هؤلاء الذين غُسلت أدمغتهم وعقولهم ويفكرون بعقول القرن السابع، مستخدمين فى نفس الوقت أسلحة القرن الحادى والعشرين!!!.. وهم فى نظرى أكثر الفصائل خطراً لأنهم قادرون على نشر هذا الفكر الجاهلى فى كل معاقل الحياة وهو ما أصبحنا نراه متفشياً الآن فى مجتمعاتنا الشرقية وصولاً إلى المجتمعات الغربية، سامحاً وفاتحاً الباب على مصراعيه للأيادى الخفية وسياستها الحقيرة فى استغلال هذه العقول البدائية التى توقف بها الزمان عند القرن السابع.
ولأن هذه الكلمات المطبوعة على هذا الورق وهذا العمود الذى تقرأه قد قتلت بحثاً وتحليلاً، فأنا هنا فى الحقيقة لا أقدم الجديد ولكننى كنت آملة أن أجد مخرجاً جديداً بعيداً عن التنديد بالإرهاب أو تنظيم المظاهرات أو الوقفات الاحتجاجية التى ترفع الشعارات واللافتات التى تعبر عن الجوهر والمعنى الحقيقى للإسلام البرىء من هذه الدماء لأن كل هذه الأفعال السابق ذكرها لم يعد لها تأثير كبير لأن الغرب صبره نفد وأصبح غير قادر على استيعاب المزيد من العنف والإجرام الذى يسببه ناس يحاولون غزو وتهديد أوطانهم!! إنما التأثير الحقيقى والمسئولية الحقيقية تقع على دور الإعلام وتناوله «النبيه» فى التقاط الفرص والبحث عن العقول الإعلامية الإيجابية المستنيرة الأخرى فى الغرب، والمتفهمة لمعنى الاختلاف العقائدى والاتحاد معها ومع ما تبثه.. تذيعه أو تكتبه من أجل تكوين فكر تضامنى متفهم يزيح هذا التعصب والاختلاف، ويقف درعاً صاداً مدافعاً وقوة رادعة لهؤلاء أصحاب السياسات القذرة المختبئة تحت الأقنعة المزيفة.
وأرجو المعذرة إذا كان الكلام انحنى للحديث عن هذا الجهاز الفضائى عندنا الذى أصبح يمارس دور المحقق الذى يستضيف المسئول ويقوم «بتلطيشه» وهو جالس على كرسى الاعتراف!!! بدلاً من تناوله لقضايا حيوية للحياة وذلك لأن محدوديته الفكرية لا تسمح ولا تحمل إلا هذا الأسلوب الخائب المستفز الخالى من العلم والمعرفة!! ولكن لأننا بالفعل أصبحنا على حافة الهاوية وفى احتياج سريع لإعلام حديث خالٍ من المصالح موجه إلى الإصلاح والتنوير والفكر القادر على المناقشة الموضوعية، وليس المحاكمة المخزية للضيف من المضيف.