لا أعرف لماذا نصرُّ على إبراز مصر الـ«شمال».. مع أننا شعب «يمين».. ناس طيبة.. تعرف الله وتراه بداخلها.. وتفتح أحضانها لمن لا تعرفه، وكأنه واحد منا..!
مصر الـ«شمال» صغيرة جداً.. زى أى «شمال» فى الكون.. ورغم ذلك تبدو كبيرة وضخمة إلى حدِّ أن العالم بات يراها «شمالاً».. اذهب إلى أى بقعة على الكرة الأرضية دون أن تتكلم.. ستجد الآخرين يرونك «شمالاً» لأنك مصرى.. سوف يتحدثون معك حتماً عن الجن والشعوذة والدجل، وكأن الشعب المصرى قسمان.. قسم راكبه جن وعفاريت.. وقسم ثانٍ يُخرج الجن والعفاريت من أجسام القسم الأول.. ستجد أنهم يسألونك عن مجتمع لا يتحدث إلا عن الغيبيات، ولا تجذبه لشاشة التليفزيون فى البيوت وعلى المقاهى سوى «فتيات مختلات» يصرخن بأعين مخيفة، ودجّال يقهر الجن، ويُشعل النار فى القماش.. فتتحول المشاهد المجنونة إلى قضية رأى عام..!
سوف تصمت حتماً.. وتتسمّر مكانك لأن أحداً من العالم كله لن يسألك عن العلم والمعرفة فى بلدك.. فهم يعرفون جيداً أنه ليس طريقنا.!
لا تتكلم.. فثمة قضايا أخرى سوف يسألونك عنها، لأن فى مصر الـ«شمال» الخير كتير.. سيقولون لك: ما آخر التطورات فى قضية «الشواذ وحمّام الرجال».. إنتم صحيح مسكتوا 33 راجل فى أوضاع مخلة فى «الحمام الشعبى»؟!.. طيب قفشتوهم إزاى؟!.. هو صحيح وزارة الداخلية فى مصر بتخاف من برنامج مجهول لمذيعة مغمورة.. فقلبت الدنيا.. وأرسلت قواتها مدججة بالسلاح لـ«الحمام الشعبى»، واصطحبت معها المذيعة والكاميرات علشان تصور «الرجالة عريانين» بالصوت والصورة؟!.. والله برافو عليكم.. إنتم «رجالة قوى»..!
اسمع وانت ساكت.. لا تنطق.. فأنت فى الخارج مواطن «شمال» من بلد «شمال».!
لن يسألك أحد فى بلاد العرب والعجم عن الدكتور أحمد زويل ونوبل واختراعاته واكتشافاته العلمية التى أذهلت العالم.. لن يسألك أحد عن الدكتور عصام حجى، أحد أبرز علماء وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، والمسئول عن غزو المذنبات شاسعة البعد، وإنزال أول إنسان على سطح «المريخ».. لن يسألك أحد عن الدكتور مصطفى السيد، وعلماء مصريين كثيرين.. بعضهم أفلت بجِلده، ليعيش فى مجتمعات «يمين»، وآخرون يحفرون فى الصخر هنا، دون أن نهتم بهم «ربع» اهتمامنا بالدجّالين والمشعوذين و«الشواذ»..!
كيف يسألونك عن أحمد زويل، ونحن «نقطّعه» هجوماً بـ«قلة أدب» فى «مقالات وبرامج» لمصالح شخصية و«بيزنس» لرجال أعمال؟!.. كيف يتحدثون معك عن عصام حجى، وقد بات فى حكم المنفىّ، لمجرد أنه دافع عن سمعة مصر، وكشف بشكل مبكر «فضيحة جهاز الكفتة» لصاحبه إبراهيم عبدالعاطى؟!.. كيف يسألونك عن الآلاف من شباب العلماء والباحثين فى مصر، بينما الباحث عندنا لا يجد مائة جنيه لإجراء تجربة علمية أجراها العالم قبل ألف سنة؟! وحين يفتح الشاب المسكين التليفزيون فى ليلة سبقها نهار الفشل، سيجد دجّالاً أو مشعوذة، أو مذيعاً أو مذيعة ينصب «سقالات برنامجه» للفضائح والدعارة والجن..!
التزم الصمت.. ولا ترد.. فأنت تحمل «باسبور» دولة قرر إعلامها، وشعبها أن يراها «شمال».. فرآها العالم كله «شمال الشمال»..!
سيترك محدِّثوك فى الخارج ثقافة مصر وروايتها وقصيدتها ومسرحيتها وفيلمها.. ويحدثونك عن أفلام «عبده موتة ورقصات صافينار وألفاظ قذرة» على شاشة السينما والتليفزيون.. لا تتعجب.. فمصر الـ«شمال» تعكس صورتها فى الأفلام والمسلسلات..!
«خد الكلام فى عضمك».. لا ترد.. ولا تعلق.. فوالله الذى لا إله غيره.. هذه صورتنا فى كل مكان.. وهذا ما نفعله بأنفسنا.. وليس أمامنا الآن سوى سبيل من اثنين: إما أن ندافع عن مصر الـ«يمين».. مصر الحقيقية بناسها وأرضها وعقولها.. أو نذهب جميعاً لعلاء حسانين أو عمرو الليثى أو عبير فتيان لإخراج «الجن الشمال» من جسد مصر..!