دعانى دكتور أندريا زكى نائب رئيس الطائفة الإنجيلية شهر ديسمبر الماضى لندوة بمقر الهيئة بمناسبة استضافته لرئيس الكنيسة الألمانية وثلاثة عشر مرافقاً له. ضمت الندوة ليلتها العديد من أطياف الفكر فى مصر وفضلنا جميعاً أن نبدأ بالاستماع للوفد الألمانى. فتحدث رئيس الكنيسة الألمانية بادئاً حديثه بتساؤل: «ماذا أقول للألمان عن الإسلام كى أقنعهم أن الإرهاب ليس مرادفاً له؟».
جاءت نقطة البداية عندى فقلت لرئيس الكنيسة الفاضل: «أقدر قيمة تساؤلك وحقك المشروع فيه، ولقد شرفت بزيارة بلدكم أكثر من مرة كانت أولها لتغطية محاكمة قاتل مروة الشربينى -الصيدلانية المصرية- فى العام 2009 فى دريسدن. كان القاتل ألمانياً مسيحياً نشأ فى كنف روسيا وقت سيطرتها على ألمانيا الشرقية ويدعى «أليكس فينز». لقد قتل «أليكس»، «مروة» بسبب تطرفه وإيمانه بأفكار إرهابية غير صحيحة. فهل كان «أليكس» مسلماً؟ بالطبع لا. ولكنه لم يحصل على تعليم جيد، ولم تتوافر له بيئة صالحة للتنشئة كما لم يحصل على عمل يوفر له مناخاً جيداً للحياة. هذا هو حال الإرهابيين ممن يرفعون راية الإسلام سيدى. الأب الفاضل، هل تعلم أن الغرب ينفق نحو 200 مليون دولار شهرياً لاستمرار الفوضى والفقر والجهل لدينا هنا؟ تخيل لو أنفقتم هذا المبلغ لتحسين التعليم وتوفير فرص العمل لدينا، أعدك وقتها بالقضاء على الإرهاب.
وأكملت حديثى قائلة: «يا سيدى أنتمى لدين قال رسوله إن مثله ومثل الأنبياء من قبله كجدار كان ينقصه حجر ليكتمل، هو هذا الحجر. فكيف يتقبل عقلى أن أرفض الأديان الأخرى ورسولى يقول ذلك عن نفسه؟ الإسلام حجر فى جدار الأديان السماوية، وهكذا أؤمن. ولذا فليست الأزمة فى الدين ولكنها فى السياسة. نعم علينا الفصل بين الدين والسياسة إذا أردنا احترام أدياننا التى ننتمى لها وإذا أردنا القضاء على الإرهاب. ألم يكن مقتل «هيباثيا» أشهر عالمة رياضيات وفلك فى القرن الثالث الميلادى فى الإسكندرية على يد مسيحيين رأوا فيما تُعلمه وفى عدم انتمائها للمسيحية، هرطقة وكفراً؟ ألم تنجحوا فى بناء نهضتكم الحديثة فى القرن الرابع عشر حينما أعلنتم ضرورة فصل الدين عن السياسة؟ ألم تمارسوا التجاهل والإقصاء على الحضارات الأخرى حينما أسميتم عصور تراجعكم وتخلف أوروبا بعصور الظلام، رغم أن النور كله كان ينتشر على يد الحضارة العربية؟ سيدى، الحضارات فعل بشرى متراكم وكذلك الأديان، ولكن تأتى السياسة لتدمر التواصل».
وواصلت حديثى قائلة: «فى العام 2010 صدر فى بلادكم كتاب (ألمانيا تلغى نفسها) الذى كتبه (ثيلو زاراسين)، العضو البارز فى الحزب الاشتراكى الديمقراطى، وهاجم فيه الإسلام، مؤكداً أن مشكلات اندماج المسلمين فى ألمانيا، سببها ضعف الجينات الوراثية لديهم لأنهم ينتمون لثقافة الإسلام، وكيف أن استمرار الإسلام فى ألمانيا يعنى انهيارها. وتجاوزت مبيعات الكتاب المليون نسخة، وهو ما يعنى قبول نسبة لا يستهان بها من الألمان بأفكاره. فهل يعنى هذا أن الألمان من بدأ العداء؟ لا يا سيدى ولكنها السياسة التى تصر على خلق العداء بعنصر الدين، والدين منها وأفعالها براء. ابحث لتعلم من يمول الإرهاب المتأسلم لتدرك أنهم الساسة».
تذكرت تلك الندوة وهذا الحديث وأنا أتابع أحداث الإرهاب الحالى فى فرنسا، الذى وصل عدد ضحاياه حتى لحظة كتابة المقال لسبعة عشر قتيلاً. نعم لعن الله السياسة التى شوهت قيم الأديان وجعلتها مادة للتدمير لا للتعمير. لعن الله شياطين الإنس الذين تفوقوا على شياطين الجن فى نشر القتل والخراب والترويع. لعن الله الغفلة والجهل وعمى القلوب التى قتلت صحفيى «شارلى إيبدو» فى فرنسا، ومن قبلهم رجال جيش وشرطة وأبرياء فى بلادى، وصمتوا وهم يرون موت الأبرياء فى سوريا وليبيا واليمن والعراق. ولم تتحرك ضمائرهم وهم يرون أطفالاً يموتون من البرد فى الجبال بفعل صمتهم. لعن الله تجار الدنيا والدين من كل ملة.