عندما أطلق شعاره «مصر حتبقى قد الدنيا»، اعتقد البعض أنه مجرد خيال، فهل يتحول إلى واقع؟
ماذا يعنى إنجاز حفر القناة وشبكة الطرق فى عام واحد.. وهل ينجح فى إعادة الحياة للجهاز الإدارى من جديد؟!
قبيل أن يصل إلى الحكم فى انتخابات هى الأكثر نزاهة فى تاريخ مصر كان الرئيس السيسى يردد دوماً: «إن الأزمة التى تشهدها مصر أكبر من أى رئيس، لكنها ليست أكبر من الشعب المصرى»!!
وفى حديثه مع رؤساء تحرير الصحف القومية، أمس، كرر الرئيس عبدالفتاح السيسى ذات المقولة، إنه يدرك بالفعل أن الأزمة فى أى بلد لن تحل لمجرد التخطيط لحلها، ولكن إرادة الشعوب هى القادرة بالفعل على صنع المستحيل وإعادة صياغة الواقع على أسس جديدة ومختلفة.
لقد تحدث الرئيس فى هذا الحديث الذى أراه الأخطر فى تقديرى عن تجربة «الإنسان» فى الصين، لقد استطاعوا أن يحولوا المحنة إلى منحة.. محنة المليار و300 مليون مواطن إلى منحة للنهوض والتقدم الإنسانى.
قال «السيسى»: إن الشخصية الصينية هى سر النجاح فى مسيرة الصين على مدى أكثر من قرن، وهذا ما أعول عليه دائماً، استنهاض همة المصريين. وضرب مثلاً بذلك «حفر قناة السويس الجديدة فى مدة لا تزيد على عام».
لقد كان مقدَّراً لحفر القناة وفق تقدير خبراء التخطيط والمهندسين العسكريين مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، لكن السيسى وخلال حفل «إشارة البدء» قال كلمة حاسمة وواضحة «فقط عام واحد»، حاور اللواء كامل الوزيرى، رئيس أركان الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، كان الأمر واضحاً، رد اللواء الوزيرى «تمام يا أفندم».
ومنذ هذا اليوم الرئيس يتابع، ويفاجئ بالزيارات، والخريطة تؤكد أن الإنجاز سيتم فى الموعد المحدد، قال الرئيس فى حديثه: هذا المشروع ومشروع الطرق أردت من خلالهما أن يستعيد المصريون ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على صنع المستحيل.
لقد كان السيسى مؤمناً منذ البداية بدور الإنسان وقدراته وطاقاته الكامنة، ولذلك سعى إلى استنهاض المصريين، وفى الاحتفال بعيد تحرير سيناء فى 28 أبريل 2013 كان السيسى يومها وزيراً للدفاع تحدث عن مصر التى كانت تعانى من ظلم حكم الإخوان «تتار العصر» فقال: «لا تقلقوا، لازم يكون عندنا أمل وثقة كبيرة فى بكره، بكره حتشوفوا مصر أم الدنيا، وهتبقى قد الدنيا».
يومها دوّت القاعة بالتصفيق، شعرنا جميعاً كأنه ألقى إلينا بطوق النجاة، عادت إلينا الثقة من جديد فى المستقبل المنتظر، خرجنا يومها من الاحتفال ونحن على ثقة أن السيسى لن يبيع مصر، ولن يفرط فيها، وأنه سيظل وفياً للقسم الذى أداه.
من هنا يمكن فهم تركيز الرئيس السيسى فى حديثه للصحف القومية عن دور الإنسان فى تغيير الواقع، قال السيسى: لقد زرت مدينة «شنجدو» فى ختام زيارتى للصين، وهى عاصمة إقليم «شيسوان» الذى يبلغ تعداده 90 مليون نسمة، أى نفس تعداد سكان مصر، ودخله يصل إلى 500 مليار دولار سنوياً، ورغم هذا يأتى فى المرتبة الثامنة بين الأقاليم الصينية الأكثر دخلاً، أى أن كل 100 مليون صينى ناتجهم القومى ما بين 600 و700 مليار دولار، وهذا الأمر لا بد أن نتوقف عنده. وعاد السيسى إلى الماضى، واستدعى حقائق التاريخ عندما قال: «إن بلداً كانت ظروفه أصعب من ظروف الدولة المصرية (يقصد الصين)، استطاع خلال مدة زمنية أن ينهض، وأن ينافس على المرتبة الأولى بين الاقتصاديات الأكبر فى العالم»، وقال: «علينا أن ندرس كيف نجح 1300 مليون صينى فى تحويل المحنة إلى منحة».
وقال السيسى محدداً معالم الطريق: «إن ما جرى هو نضال أمة سعت لبناء مستقبلها من خلال رؤية وضعها «ماو تسى تونج» وسار عليها قادة الصين، الذين خلفوه واشتغلوا ولم يهدأوا وأصبح هناك سباق يؤدى إلى هذا التقدم وهذه المعجزة. وتحدث عن تجربة محمد على وعبدالناصر فى بناء الإنسان والتنمية، لكنه قال: «إن هذه التجربة تم إجهاضها، لأنك إذا كنت تقود عربة وهناك من يترصدك ويضيق عليك فقد تصطدم بالحائط».
عبدالفتاح السيسى قائد لا يعرف اليأس ولا يتسلل إليه الإحباط، إنه مؤمن بدور الإنسان المصرى وقدراته وهو جرب هذا الإنسان فى المؤسسة العسكرية التى استطاعت تحقيق المستحيل وتحدى كل المؤامرات ودحرها بعزيمة وإيمان وتضحيات بلا حدود. يدرك الرئيس أن أبناء المؤسسة العسكرية هم جزء من هذا الشعب المصرى العظيم، لذلك تبدو ثقته عالية فى المصريين عندما يقول: «أنا فرحان بالمصريين، وكلما أجد ضغوطاً تزداد من الداخل أو الخارج، أراها دليل نجاح، ليس لى وإنما لنجاح مصر».
إنه يعرف تماماً أن هذا الشعب عصِىّ على الانكسار، رافض للهزيمة حتى ولو حاصرته من كل اتجاه، ربما يلعب الإعلام فى الداخل والخارج محاولاً تشويه أفكاره ومواقفه أحياناً، لكن هذا الشعب أكبر من الخديعة وأقوى من المؤامرة ذاتها. من هنا يقول الرئيس: «المهمة لن تكتمل إلا بوقفة كل المصريين معى، وأن يكون الشعب كله كتلة واحدة، مهمتى أن ألملم الجراح، البلد جرحت على مدى سنين، هذه مسئوليتنا جميعاً علينا أن نعيد اصطفاف الناس، كفانا عنفاً وتمزقاً، فمصر كادت تضيع وعلينا ألا نختلف».
هكذا يوجه الرئيس رسائله، يستحث فى المصريين موروثهم الثقافى والاجتماعى، حبهم وانتماءهم لهذا الوطن، الذى كاد يضيع فى غمرة الخلاف الذى نشأ بفعل المؤامرة التى أرادت استباحة الوطن وتمزيق أوصاله.
الدولة والوطن والشعب، شعار رفعه الرئيس منذ البداية، فى خطابه فى السادس والعشرين من مارس من العام الماضى، الذى أعلن فيه بعضاً من ملامح برنامجه الانتخابى تحدث الرئيس عن العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم، وضع شروط هذا العقد، لدى كل منا حقوق وعليه واجبات، المسئولية مشتركة، والوفاء والالتزام والمحاسبة هى أسس هذا العقد الاجتماعى.
وهكذا فإن الرئيس يبدو فى كل خطاباته وأحاديثه وفياً للتعهدات التى قطعها على نفسه.
إن من يقرأ هذا الحديث عليه أن يتوقف أمام عدد من الملاحظات المهمة:
أولاً: إن محور حديث الرئيس للصحف القومية الثلاث ركز على الإنسان فى مصر والصين، واستلهم التجربة الصينية، فى تحويل هذا الكم السكانى الضخم إلى قدرة هائلة فى بناء اقتصاد ينافس على المركز الأول فى العالم.
ثانياً: إن مصر كانت قد سبقت الصين فى التقدم الاقتصادى فى حقبة الخمسينات إلا أن المؤامرات الخارجية عرقلت النمو الاقتصادى فى مصر، بينما راحت الصين وفى فترة تاريخية محدودة تقفز إلى مستويات أبهرت العالم، وكان السر فى ذلك الرؤية التى طرحها ماو تسى تونج وسار عليها كل القادة الصينيين، وهو يعنى بذلك أن مصر فى حاجة إلى عقول تفكير وتخطيط استراتيجى ورؤية اقتصادية ترسم ملامح الطرق وتصبح دستوراً لحكام مصر أياً كانت انتماءاتهم.
ثالثاً: إن الرئيس يطرح رؤية تقوم على الإنجاز السريع لتعويض ما فاتنا خلال أربعين عاماً مضت ترهلت خلالها أجهزة الدولة وأصبحت غير قادرة على مواكبة التطورات، من هنا يبدو الرئيس حاسماً فى المواعيد وسرعة الإنجاز والتخطيط الاستراتيجى وطرح المشروعات القومية التى تبنى المستقبل كما تبنى للحاضر.
رابعاً: إن إيمان الرئيس السيسى بالإنسان وقدراته يجعله القاسم المشترك بين المصريين جميعاً، ولذلك يدعو إلى تضميد الجراح التى أصابت مصر بجرح كبير، خاصة خلال السنوات الماضية، ولذلك هو يدعو إلى توحد الجميع فى مواجهة ما يحاك للوطن من مؤامرات داخلية وخارجية.
إن القراءة الموضوعية لحديث الرئيس، وهو الأخطر فى تقديرى منذ توليه سدة الحكم، يدرك أن الرسائل عديدة، رسائل للداخل وللخارج، بعث للأمل من جديد، وكشف لحقائق ربما تكون قد غابت عن بعض فئات المجتمع المصرى، فنحن هنا أمام رئيس يمتلك عقلية قادرة على التخطيط واستشراف المستقبل، وأمام رجل يمتلك من الوعى والإحساس بالمسئولية وهموم الناس ما يجعله بالفعل عند ثقة كل المصريين الشرفاء.
وإذا كان الرئيس ركز فى حديثه على الإنسان المصرى وقدراته فى تحقيق برنامجه الطموح، فأظن أنه سيجد كما هو العهد دائماً أن الإنسان المصرى لا يزال قادراً على صنع المستحيل والخروج من الأزمة إلى آفاق التقدم والنهوض وسيمضى خلف قائده لتحقيق الحلم الأبدى «مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا».